أعتذر لـ(أجاثا كريستي).. أنا قارئة نهمةٌ جدًا للكاتبة العظيمة اجاثا كريستي ،

أعتذر لـ ( أجاثا كريستي)..

أنا قارئة نهمةٌ جدًا للكاتبة العظيمة اجاثا كريستي,

تكادُ رواياتُها مطبوعةٌ في تلافيف قلبي ، و قرأتُ العديدَ من رواياتِها في

وقتٍ قصيرٍ جدًا...

أحببتُ حبكاتِها و كلماتِها و أفكارهِا المتجددة و كفاحِها و جهادِها،

صدقَ من قال "ملكةُ الغموض".

دائمًا ما تأسرُني رواياتُها و

أقفُ كثيرًا على علاقاتِ أبطالِها ، دائِمًا ما تصدمنّي

بعلاقاتِ الأصدقاءِ في رواياتِها ،

و كثيرًا ما مثّلت الصديقَ الخائن و جسدّت المعنى الحقيقي للخُذلانِ في جوفِ رواياتِها ،

فبدايةً من "ليلٌ لا ينتهي" ،

عندما جسدتْ قدرة الصديقِ لقتلِ صديقهِ بدمٍ بارد..

حتى "موتٌ فوقَ النيل" ..

كانتْ تلكَ روايتي التي اخترتُها لهذه الليلة ،

روايةٌ جديدة لعظيمتي اجاثا كريستي ، اقتنيتُها

من المكتبةِ صباح اليوم و قررتُ أن انهم

منهامساء تلكَ الليلةِ قبل النوم .

فتحتُ الكتاب و كانت ليّ عادةٌ غريبةٌ بعض الشيء

و هيَ كتابةُ تاريخ اليوم الذي بدأت فيه بقراءة الكتاب .

.... وكان الثاني من فبراير ٢٠٢١

ثمّ واصلتُ القراءة حتى وصلتُ لهذا السطر .

."ألم تكنْ صديقتُك العزيزة ؟

ألم تكن صديقتُك التي هرعت لمساعدتك و كانت تحملُ آملًا كبيرًاعليكِ ؟ ثم خذلتِها ؟"

أذكرُ أنّ تلكَ آخرُ كلماتٍ قرأتها عندما ذهبتُ

في نومٍ عميقٍ و نعستُ و غفت عيناي...

و أنا ممسكةٌ بهذه الصفحة عند تلكَ الكلمة..

ثمّ دارَ حوارٌ غريبٌ في حُلمي ، و جدتُ نفسي أمامَ أعزّ صديقاتي ، ألومها

بعنفٍ شديد و أعاتبها بصراخٍ عالٍ هل خذلتِني ؟

لماذا ؟

ألم أكن صديقَتُكِ العزيزة؟

حتى استيقظتُ من نومي مفزوعةً ،

أمسحُ دموعي حقيقةً من على وجنتّي ، و جدتُ عيني مليئةٌ بالدموعِ و

أخبروني أنّي كنتُ أصرخُ بشدةٍ أثناءَ نومي...

مسحتُ عن عيني دموعها و هدأتُ قليلًا ، فوجدتُ الكتابَ مفتوحٌ على ذاتِ

الصفحة و على نفسِ تلكَ الكلمة ، ضحكتُ بنظرةٍ سخيفة و أناأردد؛

...!" أنت السبب إذن "

مازال ذاك الكابوس يُراودني قليلًا و يقلق يقظتي ،

فلمْ يكنْ من السهلِ أن أرى صديقتي العزيزة في نفسِ هذا الموقف الذي قرأتُه في روايةِ أمس!

ليسَ سهلًا أن تحلمَ بأعز أصدقائكَ يخذُلكَ..

و يسرق سعادتك و أنتَ بكلِّ براءةٍ تأملت أن يكونَ سببَ سعادتك بل

نظرتُ للمرآة و ضحكتُ على نفسي... ،

و رددتُ في الذهابِ و الجيئة : كم أنا غبية ...

و الأدهى مما جعلني أعلو بصوتِ ضحكي أنّي تذكرتُ

أنّي لستُ مرتبطةً أصلًا...

رتبّتُ ملابسي و شرعتُ بالخروج متناسيةً هذا الكابوس ،

لا داعي لاشغال البال بمثلِ تلك الأضغاث،

ما هو الا إعادة تمثيل عقلك الباطن لأخر مدخلاتِ عينك

قبلَ النوم .

أذكرُ أنّي قابلتُ صديقتي تلكَ في هذا اليومِ ، في بادئ الأمرِ شعرتُ بضيقٍ

قليلٍ نحوها... ،

و لكن حاولتُ تجاهُلهُ ، أعلمُ فقط هي صورتُها من كابوسي فقط هي من تُخيفُني...

و بدأتُ بلومِ نفسي كثيرًا على رؤيتها هكذا..

فاخبرتُها ممازحةً ، كيفَ كان هذا الكابوسُ أمس و

أنا ضحكاتي متعاليةِ بعد كلّ كلمةٍ أحكيها لها...

ثمّ عندما انتهيتْ وجدُتها صاملةً جامدة لا تضحكُ كما توقعتْ..

فارتبكتُ قليلًا ..، و بدأتُ أجاري صمتها

ببعضِ كلماتٌ الاعتذار .. أنا آسفة!

أسفة إن كانَ هذا قد سبب لكِ ضيقًا يا عزيزتي ، لم أقصد بها شيئًا إنما فقط

أردتُ إخباركِ أنّ نهمّي بالقراءة لمثلِ تلكَ الروايات كيفَ جعلني أهذي

أعتذرُ إن سببتُ لكِ أذى بِه...

لم يزل الارتباكُ أبدًا عن عينيها و يديها التي ترتجفان...

و بدأتُ بالشعورِ المهينِ لذكري لمثلِ هذا

فأمسكتُ بيديها ، و ابتسمتُ..

أتدرين يا صديقتي...

أنا لا أُؤمنُ بمثلِ تلكَ الخزعبلات ، أنا لا أعترف بخيانةِ الأصدقاء ..،

دائمًا ما أفكرُ فيما إن كانت اجاثا كريستي مبالِغةٌ قليلًا في وصفها لبعض العلاقاتِ بين الأصدقاء..

تعريفُ الصديقِ عندّي مختلفٌ تماما ، لا يمكنْ لصديقٍ أن يسرقَ السعادة من صديقِه!

بلْ يجمعها لهُ من أخاديدِ الأرضِ و يُلقِ بها في قلبِه، و يُنادّي ملائكة السماءِ

أنّ تُلقيَ الطمأنينةَ عليه..

الصديقُ لا يملِكُ سوى الحبّ اللا مشروط ، تعريفُ الصديقِ لي يا عزيزتي ، هو أنّ ترى نفسكَ بأجملِ صورِها بحضرتِه ، تُخبرهُ أنا قبيح ،فيُجاوبكَ

من الوغد الذي زرع مثلَ تلكَ في أفكارك .

أنا أعلمُ أنّ الرواياتِ قدْ تسمحُ لبعضِ الوقائعِ الهلامية من نسيج خيال الكاتب فقط أن تحدث و لكن لا وجودَ لها بيننا هُنا في أرضِ الواقع..

ثمّ قبلتُ رأسها و عانقتُها بقلبّي المعتذر الذي يُحاوِلُ استعطاف قلبِها و

أخبرتُها:

..."لا يمكنْ أبدًا أن تكونَ الرواياتُ حقيقةً يا عزيزتي"

أُغلقتْ تلكَ القضيةِ و أنا أحاولُ الآن ألا تُسيطِر الرواياتُ مرةً أُخرى على

عقلي الباطن... مرّ شهرٌ و قدْ زادتْ الفجوةُ بيننا على غيرِ المُعتاد ، منذُ تلكَ اللحظةَ و أنا

أشعُرُ أنّ شيئًا ليسَ كما يكون...

ولكنْ لا أدرِ ما الأمرُ..

أُحاوِلُ الوصولَ إليها و أستفهمْ عن سببِ تلكَ الفجوة..

و لكنَ لا جوابْ ، أصبحتُ ألومُ نفسي...

أُعاتبها...

ولكنّ في ذلكَ الوقتُ حاولتُ ملئ فراغِ قلبي و وقتي بأكاديمية تعليم الكتابة

التي كنتُ أُحبّها من كل قلبي ، و كانت تملأ حياتي و تُغيثُني من ظُلمات نفسي ، هذا المكانِ الذي ينتشلني من بقايا ظلامِ الدنيا و من التفكيرِ و البُكاءِ على الأطلال...

حتّى في يومٍ قابلتُ شخصًا في ورشةٍ من ورشِ الكتابةِ التي كنتُ أُلقيها ،

فاقترب منّي بكلِّ هدوءٍ...

انتابني بعضُ الخوفِ لمظهرِه الجاد ، و لكنّ سرعان ما ذابَ الجليدُ بيننا و

أخبرنّي و كأنه ممتلئٌ بالحديثِ يريدُ النضحَ بِه..:

"هل تسمحي لي بلحظة "

فقلتُ بارتيابٍ : بالتأكيد..

قالَ بشفاهٍ متلعثمة و كلماتٍ لا يستطيعُ اِستجماعها:

أرجو أن تسمعيني بقلبٍ ثابتٍ:

صديقتُكِ "و ذكرَ اسمُها" ، فقاطعتُه ، ماذا هل هيَ بخير ؟

ماذا أصابها ؟ هل هو مكروه ؟

قاطعنّي بكلّ حزمٍ:

لا ، القصةُ كالتالي:

من فترة شهرٍ تقريبًا ، كانَ أحدُ الحضورِ هنا صديقًا لِي ، أُعجبَ بكِ و حاولَ التقرّب إليكِ عن طريقِها ، و لكنّهُ وجدّ ردة فعلٍ غريبةٍ منها، بدأت الذمّ بكِ و الاعتراض على قرارِه المتسرعِ الغيرِ محكومٍ بالعقل. فأخبرتُهُ أن يردِفَ حديثه...

فقالْ: حتى أنّ زواجَهما كانّ بالأمسِ.

فنظرتُ إليه و ضحكاتي عاليةً:

ءأنتَ أيضًا تقرأُ مثلَ تلكَ الروايات!

أخبرنّي لا ، ليست رواية...

إنّها الرواياتُ الخيالية تحدثُ في أرضِ الواقع

شملتُه ببعضِ شفقتي عليِه لاستحواذِ أفكارِ الرواياتِ على عقلِهِ البائس و

أخبرتُه : و لمَ تُخبرني بكلّ هذا اليوم ؟

قالَ لسببٍ واحدْ : أنّ تخرجي من هنا!

حدقتُ بِه : من هنا!

من تلكَ الاكاديمية...

من ورشةِ تعليمِ الكتابة ِ ! من حياتي...!

قالَ بكلّ أسى:

هذا الشخصْ التي تزوّجها هو صاحبُ هذا المكان

و قد قررّ انهاءَ مدةِ عملكِ هُنا .. بأمرٍ من صديقتك.....

ترّجلتُ من مقعدّي ، تمنيتُ لو أنّ هذا كابوسٌ مثلَ كوابيسِي ، تمنيتُ لو

أستيقظْ و أرى إحدى رواياتِ أجاثا كريستي في يداي...

وقفتُ أمامُه و توقفت للحظةٍ أسألهُ..

سؤالٌ أخير ..:

كم كان تاريخُ اليوم الذي بدأتِ فيه تلكَ القصة؟

أخبرني:

أذكرُ أنّه الثاني من فبراير لعام ...٢٠٢١

نعمّ كانتْ رسالة اجاثا كريستي!

عدّتُ كما عادتي ، أمسكتُ قلمي ، و فتحتُ تلكَ الرواية لاجاثا كريستي ، و

أمسكتُ بالقلمُ و فتحتُ الصفحة الخلفية الفارغة أكتب:

آسفةٌ يا عزيزيتي ، أعتذرُ لكِ أجاثا كريستي ، كنتِ على صوابٍ و لمّ

أُصدقُكِ ، أنتِ لا تبالغين أبدًا ، الأصدقاءُ يمكنّهم سرقة السعادة منّا ،

ويطفئون وهجنا...

الأصدقاءُ يمكنهم أيضًا إشهارَ بنادقهم في وجوهنا

و إطلاق الرصاص في قلوبنا..

يمكنُهم أن يتسببوا بالآلام العميقة..

.. و الجروحِ التي لا تُشفى

.. يمكنّهم أن يزرعوا الحزنَ كما زرعوا السعادة بقلوبنا

يمكنُ للصديقِ أن يكون خير مثالٍ للعدو ..، و أعظمْ سارق للسعادة

و أعتى قاتل للقلوب..

بل لا يفعلُ هذا سوى الأصدقاء...

أعتذرُ لكِ لأنّي لمْ أصدقُك...



مريم طه

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جميل 💘💘💘

إقرأ المزيد من تدوينات مريم طه

تدوينات ذات صلة