الحياة تمضي سريعا, ونحن بحاجة لأن نستثمرها, ونضاعف سنوات عمرنا, هذا هو العدل الإلهي أن نعيش طويلا لنأخذ فرصتنا في التجربة الأرضية قبل أن ننتقل لعالم آخر


التفكير لن ينفعك, لا تفكر وعش حياتك

صحيح أن العمر يمر سريعا, نحن نترك سنوات طوال خلفنا, وننظر لها متعجبين, متى انقضت وفيم انقضت؟ لكني اكتشفت أنه يمكنني أن أعيش في السنة الواحدة سنوات طوال بفضل شئ بسيط وعميق لم يخطر ببالي من قبل, ألا وهو "اللحظة", الحضور في اللحظة هو سر الأسرار, وبهذه الطريقة أنت تستثمر الدقائق والثواني, فالروح لا تعرف الزمن, لا تفهم الستين دقيقة التي تحويها الساعة ولا الأربع وعشرين ساعة التي يحويها اليوم, لأنها لا يحدها الزمان ولا المكان.


الروح لا تشعر بالزمن إذا حضرت, وهي تعيش ألف ألف عام في اللحظة فقط إذا وجدت التناغم, أي تناغم؟ تناغم الروح والعقل والنفس والجسد معا, فتخيلهم هكذا على خط واحد متناغمين, ليس بينهم تناقض أو خلاف, لا قلبك يتصارع مع عقلك, ولا نفسك تتنافر من قلبك, ولا روحك تشعر بالغربة في جسدك, ولا مشاعرك تشكو من عدم الرضا عن هذا الجسد. الكل يحب الكل, والكل متناغم مع الكل, متناغم, حاضر في اللحظة, غارق في حضرة الخالق... هكذا...


اجلس بهدوء, ارخي كتفيك, تنفس, إملأ بطنك هواء, ثم اخرجه على مهل, راقب تنفسك بكامل وعيك, راقب كل خلية في جسدك واشعر بها, هذه أشياء نفيسة جدا, ذات قيمة كبيرة جدا, قدرها وأنت حي, قدرها كل لحظة, أرسل لها وعيك وأنت في حالة من الهدوء والسكينة, راقب تنفسك العميق الهادئ, تدريجيا ستهدأ ثورة الأفكار, ويرتاح عقلك, ثم يدخل في دائرة التناغم مع بقية أجزائك العظيمة...


والآن, هل تشعر بالهدوء؟ هل تشعر بالسكينة؟ هل تشعر بالاطمئنان والاتصال بشئ عظيم؟ الاتصال بروحك؟ هل شعرت بلمسة حنونة من الخالق؟ هنيئا لك.. أنت متصل.. هنيئا لك.. أنت استطعت أن تعيش اللحظة بدون أن يسيطر عليك عقلك, افعل ذلك مرارا وتكرار, افعله طالما حييت, لا تستسلم لعقلك الذي يأخذك للماضي ثم يعيدك للمستقبل, فتظل الأفكار تتقاذفك من أقصى اليمين لأقصى اليسار كألعاب الملاهي السخيفة التي تصيبنا بالدوار والغثيان, فلا تخضع لعقلك لهذا الحد, تمسك باللحظة الآنية, فاللحظة – يا صديقي- تحمل كل الوفرة والأمان والإبداع، اللحظة خلاقة, اللحظة دائما مطمئنة, خالية من المشاكل, ذات راحة وسكون، فادخل في عمقها لتكن مثلها..


تعلم العيش في اللحظة, وإذا أخذتك أفكارك من جديد إلى ماضي انقضي أو مستقبل مجهول, لا بأس, إرجع للحظة واحضر فيها.. إذا كنت تمشي في الطريق, ادخل بكامل وعيك في خطواتك, في جمال الأشجار والمناظر, في تنفسك, في شعورك بقدميك وهي تطأ الأرض, دون أن تحكم على شئ مطلقا, دون أن تربط شئ بشئ آخر, فالأحكام تخرجك من اللحظة وتربك مشاعرك, لا تخرج من اللحظة, هنا تستدعي الاطمئنان والسكينة, هنا لحظة خالية من كل سوء, إذا كنت تشرب الماء, فليذهب كل وعيك لذلك, إذا كنت تأكل فليذهب كل وعيك لكل قضمة تضعها في فمك, اذا اغمضت عينيك فلترسل وعيك لما تشعر به وليس ما تفكر به, اشعر بالجمال من حولك, ثم اشعر بالحب والتقدير لكل شئ من حولك, والأجمل أن تشعر بأن كل شئ من حولك يحبك, الكون بأسره يحبك لأنك أحببته وشعرت به.. أوصيك بأن ترى مشاعرك, اشعر ثم اشعر ثم اشعر... ودعك من التفكير..


أما العمق والحقيقة تكمن فيما اكتشفته عندما جربت الحضور الكامل في اللحظة أنك لا يمكنك أبدا الاتصال بالخالق, إلا إذا اتصلت بروحك, وأنت لن تتصل بروحك إلا بحضورك في اللحظة, عندما تتوقف الأفكار في عقلك, أو على الأقل يهدأ سريانها المتلاحق, هنا يحدث التناغم مع الروح, ثم الاتصال بها ومن ثم الاتصال بخالق الروح, فأنا أؤكد أن الحضور في اللحظة يجعلك تتصل بالله, ويمكنني أن أقول أن "اللحظة هي الله"...فانتبه للحظة.. كن حاضرا فيها بكامل وعيك.. عش - يا صديقي- ألف ألف عام...

مروة جادو
إقرأ المزيد من تدوينات مروة جادو

تدوينات ذات صلة