إذا أردت أن تزداد النعم في حياتك, كن ممتنا لأبسط شئ لديك

في باطنه الرحمة وفي ظاهره العذاب


كل ما لديك الآن لم يكن بين يديك من قبل, أشياء كنت تراها على المدى, تقف وتتأملها وتتمناها نفسك, والآن هي لك, انظر إلى حياتك ترى كم من شئ كان أمنية في أحد الأيام وأصبح الآن ضمن ممتلكاتك, عصفت بي موجة اكتئاب عصرت قلبي, وحطمت عاطفتي, وتحولت مشاعري إلى أشلاء, كنت أحمل داخلي جمرة من نار, لم أكن أذوق النوم, لم أتذوق الطعام لأن فمي كان له مذاق شديد المرارة كالعلقم, كان إحساسي بجسدي كأنه محشو بقطع زجاج, لا أرتاح في الجلوس ولا الوقوف ولا الإتكاء ولا النوم وكأن قدماي تخطو فوق شوك, كان ساقاي ثقيلتان لدرجة أني كنت أشعر بشعور الأسير المكبل يديه وساقيه بحديد ثقيل يقيد خطواته حتى لا يهرب من قدره, هكذا كان الحزن يأسرني بالحديد حتى لا أهرب منه, وأنا فعلا كنت أحاول الهرب لكن لم أفلح, كان لابد أن أنفذ الحكم بهذا العذاب النفسي, كان لابد أن أحترق وأتمزق, ليعاد بنائي من جديد...

وأنا الآن ممتنة كل الامتنان لما مررت به, موجة الاكتئاب العنيفة كانت مرحلة فارقة بحياتي, أقدرها كثيرا, بسببها أضاء داخلي مصباح الحقيقة, عرفت قيمة الحياة, وقيمة نفسي, صرت أقدر جميع أجزائي, صرت أحب الله حبا جما, وتعلمت أن أحب نفسي, نعم, فأنا من قبل لم أكن أحب نفسي كما ينبغي, لم أعرف أصلا أنه يجب أن أحب نفسي, تعلمت الامتنان لأدق تفصيلة في حياتي, فصرت أمتن لكل الأشياء وأرسل لها قبلات وأحيانا أتحدث إلى الأشياء وأشكرها لأنها معي, موبايلي, واللاب توب و سريري وغرفتي, ومطبخي, والطعام, والنور في منزلي, ومنزلي, والجنيهات في محفظتي, والانترنت, وفنجان القهوة, والقهوة, وهذه السجادة في غرفتي, وكتبي بل جميع الكتب في العالم, وإيماني, وأحلامي, وكل شئ يدور في نفسي الآن, فأنا أصبحت ممتنة حتى لطريقة تفكيري, وتطلعاتي, تعلمت الامتنان لجسدي, لكل خلايا هذا الجسد المعجزة, وامتناني الكبير لروحي الهدية الكبرى, وامتناني الأكبر والأعظم لخالقي, حبيبي الذي ليس كمثله شئ, هذا هو السبب والنتيجة وكل شئ وأي شئ في آن...

الحياة نعمة عظيمة, وأظن من فرط عظمتها واعتيادنا عليها لم نشعر كيف أنها نعمة, بل إنها هدية من خالق عظيم, ونحن علينا أن نستمتع بالهدية, أتعرف؟ كلما فتحت الهدية لتنظر فيها تجد شيئا جديدا لم تره من قبل, كأنها متجددة ويضاف إليها شئ كل يوم, غريبة وجميلة, لم نعرف عن هذا من قبل, البعض لا يرى النعمة في الحياة, بل للأسف البعض يراها ابتلاء , وأننا أتينا إلى هذه الحياة لنتعرض لأسوء الاختبارات, وعلينا أن نظل صامدين ونحمد الله فقط, أقول أنك إذا حمدت الله مضطرا, وأنت لم ترى النور في وسط ظلمة الاختبار المؤلم, فأنت لم تنجح في الاختبار, تعذبت ولم تكافأ, فنحن إذا كان علينا أن نشقى في الحياة, فذلك حتى نستخرج الحكمة والنور من قلب العذاب, فلا تكن مضطرا لتحمل اختبارك, إن الخالق لن يرضيه ذلك...

وإذا كنا منحنا الحياة فقط من أجل الشقاء والمعاناة, فكيف نمر بالأيام الجميلة؟ كيف يحيط بنا كل هذا اللطف؟ ومن يعمي عنه؟ الشقاء والمعاناة وهم, إن الله منحنا الاختبارات التي نتألم فيها, لأنها تنقينا من الداخل, تخرج كل ظلام من داخلنا, ليبقى النور فقط, لأن الأصل فينا النور, ولن يحدث ذلك إلا بالألم, الألم يطهرنا والنار وإن أحرقت.. تضئ...

إن كنت لازلت غير قادرا على الشعور بالامتنان, استخدم خيالك, تخيل أنك ضعت في إحدى الغابات, وليس هناك أية مرافق ولا طعام ولا ماء, وبالطبع لا أمان, فقد يكون هناك حيوانات مفترسة وزواحف سامة, أنت محاط بأشياء من شأنها أن تقتلك, غياب ما يبقيك على قيد الحياة, ووجود ما قد يسلبك حياتك... مؤكد أنك في هذا المكان ستقدر قيمة كل شئ صغير في حياتك حتى كسرة الخبز, ومصباحا واحدا في منزلك, وكوبا واحدا من الماء ليوم كامل سيكون نعمة كبيرة في نظرك, أنت ستعود من هذا المكان ممتنا وستحتفل لأنك فقط على قيد الحياة ....

الامتنان هو أحد أسرار السلام الداخلي, كلما شعرت بالامتنان للأشياء الصغيرة, كلما تضاعفت في حياتي النعم, وأشعر أن هناك ملائكة تجالسني, وتهمس في أذني بكلمات تجعل لي نورا وسلاما يتسرب داخلي... اشعر بالحب والامتنان للأشياء الصغيرة في حياتك, لأن الذين لم يتعلمون الامتنان بعد, لا يرضيهم أي شئ يأتيهم, مهما كان كبيرا وثمينا, يصبحون – للأسف- كمن يشرب من ماء البحر, لا يمكن أن يرتوي... فاخلق العذوبة في حياتك بالامتنان.. بل كن ممتنا للامتنان ذاته...

مروة جادو

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مروة جادو

تدوينات ذات صلة