تحليل الروايات النفسي يكشف لك الكثير عن خبايا النفس البشريةن خاصة عندما يكون الكاتب شديد الإنسانية كتشارلز ديكنز

الأدب العالمي المترجم بوابتك إلى القراءة الجادة الممتعة، التي أنصح بها هواة القراءة وكذلك الكتابة، وإن كان الأدب الروسي هو الأكثر شهرة وانتشارا، فللأدب الإنجليزي محطتين غاية في الأهمية، المحطة الأولى شكسبير، والثانية تشارلز ديكنز، فهو عميد الكتابة الإنسانية، عان من طفولة بائسة وحياة حزينة، جعلت أعماله محمله بالمشاعر والانفعالات وصرخات الألم، إلا أن البعض يعيب على مدرسته المبالغة والصدف الزائدة عن الحد والتي يقوم عليها العمل.وأما عن قصة مدينتين فهي من أعماله شديدة التميز، فهي تصنف كرواية تاريخية، وإن كنت اعتبرها رواية انسانية تستند على خلفية تاريخية، ورأى للكاتب في حقبة تاريخية بشكل عام، فلم ينخرط الكاتب في تفاصيل وأحداث تاريخية كما يفعل البعض.ديكنز شخص محب للأماكن ولوصفها، سمة واضحة في كتاباته، يصف لك مدينتين مختلفتين لندن وباريس، لا ينحاز لموطنه، ولا ينتصر لباريس، يصف لك حتى مشاعر كل مدينة، حتى يخيل إليك أنه يصف أمرأتين مختلفتين بكل منهما ما يحب وما يكره.أبطال الرواية هم تشارلز دارني الذي سنكتشف أن اسمه الحقيقي تشارلز أفريموند، فهو ابن لعائلة ارستقراطية فرنسية، إلا أنه رفض ظلمهم لعامة الشعب وتركهم وتخلى عن أملاكه وأسمه، ليستخدم لقب والدته ويعيش حياة عادية بلندن، وأنا شخصيا أظن أن الكاتب وهب اسمه لهذه الشخصية لحبه الشديد لها، فهى ذاته التي تمنى أن يكون عليها، فهو شخص متزن في كل شيء، ناجح، محظوظ، البطل الثاني هو سيدني كارتون محامي عبقري فاشل سكير، لديه مهارة فائقة وذكاء خارق لحل القضايا، إلا أن المستفيد من ذلك هو المحامي صاحب المكتب الذي يعمل فيه، في تحليلي لشخصية الكاتب الذي أعشقه، أظن أنه أسقط إحباطاته وجانبه المظلم على تلك الشخصية الحزينة المميزة، والتي يلعب سوء الحظ درجة كبيرة في حياتها، فتجد أن سيدني أكثر تميزا من تشارلز إلا أن الناس ستميل للأكثر اتزانا وألتزاما ونجاح، وللصدف العجيبة يشبه تشارلز شكلا إلى درجة بعيدة، وقد أثر ذلك على سير الأحداث بشكل كبير مرتين، مرة في بداية الرواية، ومرة في نهايتها، وكلا منهما محاكمة يتسبب الشبه في إنقاذ تشارلز، إلا أنه في نهاية الرواية أنقذ تشارلز وأضاع سيدني والغريب أن ذلك كان اختياره.الشخصية الثالثة هي لوسي الفتاة الجميلة الودودة، التي يحبها كلا من تشارلز وسيدني، وبالطبع تختار تشارلز، وليس هذا بشء جديد على سيدني، الغريب هو أن يفعل كل ما بوسعه لإسعادها، حتى لو ضحى بنفسه ليحمي لها من تحب، ويكتفي بأن يعتقد أنها ستنجب ابن ممن تحب وتهبه اسمه، لوسي ليست مجرد بطلة جميلة فهي الأخرى بحياتها جانب مظلم، فقد كانت تعتقد في وفاة والدها، حتى اكتشفت أنه حي يرزق إلا أنه سجن بالباستيل الرهيب، ذهبت إلى باريس حيث يتواجد والدها لدى السيد والسيدة ديفارج وهما أصحاب حانة بمنطقة شديدة الفقر، وأيضا يتزعمان مجموعات شعبية تخطط للثورة، والدها طبيب ولكنها لم تجد إلا رجل مسن صانع أحذية فاقد عقله، وعرفت أن التعذيب الذي تعرض له بالسجن الرهيب أفقده عقله، ولا يتذكر إلا صناعة الأحذية التي تعلمها بالسجن، وقد تحسنت حالته بعد عودته لإبنته.تزوجت من تشالز وقامت الثورة الفرنسية، وللأسف المقصلة الإجابة الوحيدة عن كل أسئلة العدالة، السيد والسيدة ديفارج صارت لهم مكانة كبيرة، يشاركون في محاكمات هزلية، والحكم دائما الإعدام، وقتها وصلت تشارلز بلندن رسالة استغاثة من رجل سيعدم لصلته بعائلة افريموند وهو من ساعد الفقراء في فرنسا وأعطاهم الأموال بناء على تنسيقه مع تشارلز، طالبه الرجل بالحضور فورا إلى باريس للشهادة، ليس السفر من لندن لباريس وقتها بالأمر الهين، فأتف الأسباب قد تذهب بك للمقصلة، إلا أن نبل تشارلز دفعه للسفر، وقبض عليه وحكم بالإعدام لأنه من عائلة افريموند.هنا يظهر دور الطبيب صانع الأحذية، الذي أخبر ابنته أن صناع الثورة الفرنسية يعتبرون خريج الباستيل بطل، وأنه محامي زوجها بالمحكمة، وحنما سيوضح لهم برأته، وسيستجيبون له، وكاد الأمر أن يتم، لولا أن تم إظهار خطاب كتبه الطبيب بدمائه وخبأه بزنزانته، يحكي فيه السر الرهيب الذي تسبب في ذهابه للسجن، ويذكر تفاصسل الواقعة التي بطلها عم تشارلز وشقيقة السيدة ديفارج، وينهي خطابه بصب اللعنات على كل من هو من نسل أفريموند، وبالطبع ذلك يعني أنه من سجنه طالب بموت زوج ابنته وحفيدته.ملحمة انسانية ترفض الظلم بكل صورة، جعلت من السيد والسيدة ديفارج جناة ومجنى عليهم، حكى ما وقع عليهم من ظلم، ثم عاد ووضح اسرافهم في الانتقام، تشارلز ديكنز كعادته انحاز للإنسان وجعله ينجو، فالإنسان يستحق دائما النجاة.جدير بالذكر أن الرواية حولت لأفلام لا تشعر أبدا أنها أقل جمال من جمال الرواية، أنصح جدا بقرأة الرواية ثم مشاهدتها كفيلم، وأعدك برحلة ممتعة ستشحذك بالمشاعر.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائع بالتوفيق ان شاء الله

إقرأ المزيد من تدوينات مدينتنا غير الفاضلة ارحلي

تدوينات ذات صلة