الحياة ليست عدة سنوات ذهبية تسمى الشباب، بارك الله لك في كل يوم من أيام عمرك، وأعانك على الاستمتاع بأيامك

اليوم و أنا في الخامسة و الأربعين أقف أمام المرآة مشدوهة لا أعرف من أنا، فأنا الطفلة صاحبة الضفيرتين، لأكن أكثر صدقا مع نفسي أنا الشابة الصغيرة التي تعيش مع والدتها المسنة، الحقيقة أنني عندما كنت بالعشرين و اعتبرت والدتي مسنة كان عمرها مثل عمري الأن.أعياد الميلاد أيام سعيدة بحياة الكثرين، وأيام تعيسة تعني الكبر والشيب بحياة البعض، أما أنا فيغلب علي التشتت أشعر الأن أني شابة في عنفوان شبابي، و قد تخلصت من حمق الطفولة و المراهقة، و ضبابية الحياة، تخلصت من صراعاتي و مهمات تأسيس حياة، درست و عملت وتزوجت وأنجبت وانفصلت.هل أنا في انتظار انقطاع الطمث، و علي أن انقطع عن الحياة عندها، أم أنني بداخلي رغبة قوية في أن أبدأ من جديد، و لما لا أتزوج مرة أخرى، و لما لا أنجب!، فأنا لا أريد أن أقمع الحياة بداخلي، و لا أريد أن يصفني المجتمع بالمتصابية، الشيب زحف على رأسي ولا أصدقه، فقلبي لا يعرفه، لا أستطيع أن أتركه بلا صبغة، حتى لا أعامل "ككركوبة".أذهب لصيدقتي العجوز أمي، لا أصدق كيف ظننتها وهي في الأربعين عجوز، و أخذت أستخف باهتمامها بأناقتها، ووصفها الدائم لنفسها أنها بعز شبابها، لعلها الشعرات البيضاء اللعينة التي تغزو شعرها ورثتها منها هي السبب.هرعت إلى الشرفة حيث تجلس والدتي لتناول فطورها وقهوتها الصباحية، تستمتع بالهواء وأشعة الشمس الحانية، كطلب طبيبها، أنا كالنار تأكل بعضها بعضا، وهي كجدول الماء الهادئ، بعد استمتاعها التام بقهوتها، التي تعرف أنها لن تشرب باليوم الواحد غيرها، أخبرتني أن لديها موعد بمركز رعاية المرأة وطلبت أن أذهب معها، بالبداية تمردت على طلبهم مني و من والدتي عمل فحص كشف سرطان الثدي المبكر، حتى شاهدت شبات صغيرات يجرين الفحص، ثم انضممنا لمحاضرة للتوعية، أخذت المحاضرة تحدثنا عن الشيخوخة، و أنه لا سن محدد لها وحسب الدليل التشخيصي MSD يمكن اعتبارها من بعد 65 سنة و قد لا يصاب الإنسان بأمراض الشيخوخة حتى سن الخامسة و السبعين، متى تبدأ الشيخوخة إذا، تبدأ من سن التاسعة والثلاثينن عندما يتراجع افراز الجسم من مادة الميلانين، وتتراجع معه قدرة المخ و لأعصاب، ولا يمكننا أن ننسى أن للعادات الصحية و الاجتماعية دور كبير في تراجع الشيخوخة1- عدد ساعات النوم و النوم المبكر2- شرب كميات كافية من المياة3- تناول وجبات متوازنة و المواظبة على الفيتامينات التعويضية و خاصة ب12 مركب لارتباطه بالأعصاب4- يكفي فنجان واحد من القهوة أو الشاي، و يفضل الإقلاع عن التدخين أو الإكتفاء بسيجارة واحدة5- النقطة الفاصلة و الحاسمة أن الشيخوخة بالأساس نفسية، فالمستسلم سيشيب بالأربعين أو حتى بمنتصف الثلاثين، أما من يتقبل التغيرات و يكافحها سيحظى بشباب طويل جدا، بالمناسبة الأن الأعمار ارتفعت لتتجاوز التسعين فهل يعقل أن تعيش من الأربعين للتسعين كعجوز.هتفت الطبيبة المحاضرة " أحبائي الذين تجاوزا السبعين كونوا رفقاء بأنفسكم، إذا اكتشفت أنك تنسى فلا تغضب و تحزن، فقط لا تحاول تجميل رأسك بالكثير، إذا عانيت من المياه البيضاء فلا شيء أكثر من زيارة طبيب العيون، إذا أصبت بضعف شديد في السمع، أحرص على استخدام السماعات المناسبة، و أعلم أن مالم تسمعه ليس سر حربي".و على صوتها مرة أخرى "حبيباتي ممن تجاوزا الأربعين أنت على عاتقك مهام كبيرة أنت من ترعى الصغار والشباب والكبار، فلا تنسى رعاية نفسك أولا، أن تهتم لصحتك ويصبح لديك نظارتين لا يعني أنك عجوز، بل أنت تحمي نفسك من أن تصيبك الشيخوخة المبكرة".لفت نظري ياصديقاتي الفنانة يسرا من ناحية و الفنانة سوسن بدر من ناحية أخرى فكلاهما تهتم بنفسها و لا تستسلم للعمر، واحدة تحرص على صبغ شعرها فيمتدح حبها للحياة، و أخرى تتوقف عن صبغ شعرها فتتهم أنها متصابية، نذكركم بقصة جحا وحماره، ونحرضكم على حب الحياة، فانطلقوا، و تذكروا أن الحياة ليست عشر سنوات شباب ذهبية، الحياة عمر طويل بارك الله لكم في كل يوما فيها.خرجت من المحاضرة لدي خليط من مشاعر الاكتئاب التي تحاصرني منذ عدة سنوات، ومشاعر تحفز الأمل بداخلي، طلبت مني أمي أن نتناول عصير القصب ثم نذهب معا للكوافير لتصفيف شعرنا و صبغه، من نعم الحياة عليك أن تمن بصديق عجوز، ليكون رفيق دربك، علميا أنت تراعيه، عمليا هو الذي يراعيك، ويخرجك من نوبات إكتئابك و يعلمك الاستمتاع بالأمور البسيطة، فقد سمعت مقولة للكاتب الكبير نجيب محفوظ وهو رجل تجاوز التسعين، أمثالي من كبار السن يتحولون لعادة محببة بحياة من حولهم، و أخذت أفكر نعم أحب أن احتفظ بشكلي، و لكن الأهم أن أحتفظ بشخصيتي، قوتي، مهامي الاجتماعية، فبعقلك يمكنك إدارة الكون من فراشك.طلبت أمي من المصففه ألا تصبغ شعرها، و أنها تفضله أبيض يذكرها بأيام طويلة مرت عليها، أما أنا ففضلت صبغه، و كلانا يرى أنه بعنفوانه، فمن يقف على قدميه لا شيء يمنعه من أن يلامس السماء.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مدينتنا غير الفاضلة ارحلي

تدوينات ذات صلة