إنها قطعة أدبية لربما ستغرس زهرة أمل في قلبك وإن كانت من وحي الخيال .
لا توجد نهايةٌ لأحلامنا ،، نحن نحلم باستمرار،، ففي كُلّ يوم قد يولد حلما جديدا ،، لنجده ينتظر بضع زمن في رحم القدر؛ علّ سماء الأمنيات تنثر على أجنحته الصغيرة حباً ليطير ..
أحيانا قد تُجهض هذه الأحلام ، لكن لا بأس احلم مجددا !
هذا الجميل من الكلام قالته لي زوجتي التي نجت من الموت انتحارا ثلاث مرات ، مرة بسلاح أخيها ومرة بحبل مشنقة، ومرة بجُرعات أسبرين !
قالته لي في ذكرى آخر محاولة للانتحار ،، ليتسنى لها قتل السّم ،، سّم الأفكار الخبيثة ، والتي لا محل لها من الصدق.
.................
المشهد
2009/2/5
دقت الساعة العاشرة والنصف، استيقظت نورس لتجد نفسها ممدّدة على فراش أبيض . تُساءل نفسها وهي تتحسّس الفراش بأناملها شبه المُزرقّة : أيعقل قد مِتّ؟! هل هذا هو الموت حقا .. هل يتشابه النقيضان ؟ .. الموت والحياة ؟!
تفحّصها زاهي من النافذة ، فصاح قلبه شغفا عند رؤيتها ، دخل غرفتها وصرخ بحيويّة وجنون قائلاً :
اختياركِ للأسبرين كان موفقاً ؛ لصالح نجاتك ، نجوتِ .. نجوتِ حقّا !، أخبرني الطبيب أنك ستكونين على ما يرام .
ثم رفع يديه قُبالة السّقف الرماديّ العتيق ورجا يتمتم باكيا .. "الحمد لك يا رب ، الحمد لله ، حماكِ الله من جنونكِ !!!"
فجاء صوتها مباغتا كضربة ريح ..
_سأعاود أخذ جرعة سامّة من دواء آخر، لا عليك !
_ما كل هذا الهراء ، تماسكي قليلا .. ماذا سيحل لقلبك الصغير الرقيق هذا ،، ما الذي سيحل لأحلامك؟! .. ستموت حتما قبل أن ترى ضَوء الحياة !
_ولهذا أود إنهاء هذه الحياة، ما فائدة وجودي دون أحلام مُحقّقة ، كما أنّ عدمي ربما كان أفضل بكثير من وجودي !، من يدري !
__لن يقف أي شيء في الدنيا سوى قدرك أمام تحقيق أحلامك، عيونك المنطفأة هذه التي لا تستشعر سوى الظلام تستطيع بكامل قوّتها أن تشعل موقد الأحلام وتبدأ بطهي الأمنيات على مكث ،، وأما مرضك فستشفَين منه ، ثقي بالله ، وثقي بي .
تعالى صوتها بينما بدت شبه نائمة : كلامك جميل ، لكن سيكون صمتك أعظم، لأنّ كل ما تقوله مستحيل، وسيموت مستحيلا .. ولا تقل لي أن ليس هناك ما يسمى بالمستحيل ! ، هذا الهراء الجميل نجده في رواياتٍ هائجة و في أفلام الأطفال !
_دعكِ من المستحيل وفلسفة منغّصةٍ للرأس،، أوهل تعتقدين أنّ الموت سيُسرّ بالقضاء على فاقدي نشوة الحياة مثلك؟!
-وأية نشوة هذه ؟
_ نشوة الحياة ؛ بحلوها ومرها .
ضحكت وبنبرة من يناضل لينتصر سألته : هل فكرت بالانتحار قبلاً ؟
دُهش لكنه أجاب : لا .. مطلقاً ، ولن أقدم على هذا الفعل ما حييت ! ،، وأمّا لماذا يا نورسي الحزين ... فذلك لأنّني مؤمن ! .. مؤمنٌ بخير القدر ومؤمنٌ بقوّة قلبي ؛ وإنّها من الله ...
مرت دقائق صمت .. تبعها أنين المرضى الذي يكاد يشبه نايا حزينا مذبوحة قصيدته التي كُتبت ليقرأها ..
فسألته بعد انقطاع المشهد : -أخبرني لما تود إزعاج رأسك بأفكار الناجين من الانتحار أمثالي؟! .. اتركني وحزني نرقص على أهازيج الجنون !
ملأت الدهشة ثانية أركان الصمت !
نهض من فراشها الملئ برائحة الموت المجهض ونفض حزنه ،، ثم قال بأمل : عزيزتي .. لنستمدّ قوّتنا من الله .. من الذي وهب للعاقِر طفلا بعد انطفاء آخر شعلة أمل ..
الذي وهب للقيطٍ بيتاً وأهلاً خيراً من أهله .. لقيطٍ وُجد قرب مجزرة القطط على لحم مشيمةٍ وحبلٍ سُريّ .. عند زاوية رائحة البؤس وقذارة تلك الغريزة الموحِشة أذيالها السوداء ! ..
الذي لم يترك دمعة تنسكب من قلوبنا قبل أعيننا إلّا وقد عوّضنا عنها بجبرٍ جليل أو وقايةٍ من شرٍّ كاد يودي بنا للقاع أو منعاً لفراق موجع كاد ان يغرِزَ في صدورنا أحدّ السّيوف ! ..
الذي وهب للجائع المُعدم خُبزاً دافئاً في صباحات البرد،،تتخبّطه عواصف الفقر ..
والذي أرسل لأرواحنا الحزينة ماءً زُلالاً .. فارتوت به وأنبتت نباتاً طيّباً .. فلم يُترك جبّاً واحداً جدباً ..
إنه الله الذي لا يعجزه شيء , أيعجزه إضاءة قلبك وروحك بالسكينة ؟!
كلّا .. ثقي بي واستعيني بالله يا نورسي ..
وصدّقيني لو كان قلبي مفتاحاً لسعادتك ، فلن اتردد في منحكِ إيّاه ، وإن استوطن قلبك جنونٌ آخر فسأطرده بنبض الحُبّ .
-لكم تسعدني كلماتك الصادقة هذه .. كأنني أرى الشمس لأول مرة بعد اثنتي عشرة سنة !
ولكن بكم تمنحني قلبك ؟
_ بقبلةٍ على جبينك ، ثم بضحكة تملأ قلبك ورودا !
.................
"سنون القحط يتبعها سنون الخير وما الخير إلا غرس عطاء أحدهم في قلوبنا؟!"
2011/12/11
"المشهد"
إنّه زاهي .. عند منتصف ليلة باردة يُجالس دفتره ومدفأته الرمادية الداكنة ويحدّث قلمه عن شجاعة نورس ورباطة جأشها ..
حمل قلمه وبدأ بخوض الكتابة ..
"لم تتمكن نورس من مقاومة نشوة قبلتي لها ذات حزن ، أخذت تلملم حيائها وحزنها وتخبئهما بين ثنايا الفراش الأبيض الذي انتشل جسدها من الموت ذات جنون! ،، لكن هل من الممكن أن تؤثر فينا قبلة إلى هذا الحد؟!
أجل ، ومن الممكن جدا! ؛ فالحب الذي تغرسه في قلبٍ يائسٍ يصبح حياةً بأكملها! ..عادت الحياة تدّس ثوبها الجديد الجميل في روح نورس ! .. ولكن أكلُّ هذا من تأثير قبلة؟ .. لا ؛ ولكنّه الحب !
منذ سنوات وأنا ألاحق قلبها الحزين ، أحاول تضميده، تخفيف جروحه .. آلامه.. وأحزانه .. لكنّه كان ينجح في الهرب في كل مرة ، تعب من ملاحقاتي له ، وفي النهاية استسلم تماماً، فجاء يركض نحوي ذات ثلجٍ أنهكه، لأجده بين يدي !
إستأصلت شياطينَ اليأس الجاثمة على أزاهير فوّهة قلبها بعمليات جراحية زهيّة ، فأعادت للقلب صوابه الأوّل ، وأنا فخورٌ بذلك كثيراً ولكنّني فخورٌ بأمّكم نورس أكثر ، فمُذ عاد قلبها لصوابه وهي تحقق أحلامها الضائعة ، لمّت شتات روحها وأودعَتْهُنّ في حقيبة الحب لتعيد بذلك بناءها من جديد .. فطارت بها نحو غيمة وردية في سماء قلبها، ونثرت حُلمها في باحة الحقيقة.
هي كفيفةٌ أجل! .. لكنّ قلبها يملك من العيون ما يكفي لبناء الحياة !.. حاربت مرضها بكلّ قوة ، ونجحت في القضاء على سطوته، تمكنت من كسر كُلّ الحواجز التي كانت تحول بينها وبين أحلامها ، لتجد نفسها قد قاومت كل أعاصير المحيط ورست بسفينة الأحلام قُبالة منارة الحياة.
لن أحدّثكم عن أحلامها يا أولاد !.. ولكن عندما تكبُرون سأحدّثكم في كل عام عن حلم ! إن شاء الله .
أهذا لفرط سَعة أحلامها ؟!
أجل، وأيضاً لفرط جمالها !
على أي حال يا أولاد ، تزوجت والدتكم في كانون الثاني العام الفائت وقد كان أول يوم في السنة ؛ حتّى يتسنى لنا (على اعتقاد قلوبنا المتعلّقة بسطوة جمال البدء بأحلى الأشياء في البدايات .. فكلّ البدايات الجميلة تليق ببعضها بعضا) بناء حياة جديدة أجمل وأشهى .. حياة أكثر راحةٍ وأقلّ ألما!
إلى أبنائي ..
إلى التوأم الجميل "روز ووسام "
"والدكم زاهي"
2011/12/11
12:00
قريبا ستولدون بإذنه تعالى لترون جمال الحياة وقساوتها !
أحبكم. "
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميل جدًا ، استمري عزيزتي.