عبده نصيف، بين الفن، الإبداع والابتكار، ورسائل تحفيزية لمجتمع أفضل.

الشاب عبده نصيف، مزيجٌ بين أب أردني، وأم يونانية، فأخذ صفاته من بلديين غاليين على قلبه، عاشَ حياته في الأردن واكتسب صفات الشاب الاردني النشمي، ووعيَ على الثقافة الفنية اليونانية.


عُرف عبده منذ صغره بحبه للفن والرسم، وملاحظته للتفاصيل الصغيرة، فمن عمر صغير بدأ رحلته الفنية، وكان يحصل على أعلى العلامات في المواد المتعلقة بالرسم؛ وأحب تصميم الأزياء.


وكشاب يهوى الرسم، اختار أن يدرس تخصص التصميم الداخلي في جامعة اليرموك الأردنية؛ وتخرج منها بمعدل عالٍ؛ فبدأ مسيرته المهنية بالتصميم الداخلي لمدة عام.


عبده؛ من هواياته الاكتشاف، السفر، والتعرف على ثقافات وفنون حول العالم، ومن حُسن حظه أنّه انضم إلى طاقم الملكية الأردنية للطيران في عام ٢٠١٠، كمضيف طيران، فأصبحت فرصته كبيرة للتعرف على الفنون المختلفة حول العالم، وممارسة هواياته.


في عام ٢٠١٢، تعرض عبده لحادث سير مؤسف، وفقد إثره يده اليسرى، فكانت تلك الفترة أصعب الفترات تحدياً لتجاوزها.


التعافي، الابتكار، والإبداع.


الاستيعاب يأخذ منا فترة لتجاوزه، والخوف يمكن أن يسيطر علينا، والتساؤلات تملأ أفكارنا وتُعقد الأمور من حولنا؛ هذا ما عاناه عبده وهو على سرير الشفاء، فـفقدان يده لم يكن سهلاً عليه، ولا على عائلته؛ فـالأمر صعب على شاب يبلغ ٢٥ عاماً، يعمل في مجال الطيران، وشغفه الفن.


ولكنّ الحادث لم يشكل عائقاً في إبداع وابتكار عبده، بل كان دافعاً له ليصبح أقوى؛ ليوصل صوته للعالم، وتعبيره عن نفسه وعن ذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة مبتكرة تجذب الأعين.


والوقت لم يكن عائقاً أيضاً، فتعافى عبده من الصدمة بفترة وجيزة، ويرجع السبب هنا لقوة ايمانه بالقضاء والقدر وبأن الله يكتب الخير للإنسان، فـبعد الحادث أصبحت نظرته للحياة مختلفة، وتشكلت بالوعي والمسؤولية.


فاقد الشيء يعطيه بشكل ايجابي، مُحفز، ومُلهم.


قبل الحادث؛ كان عبده يهتم بالشكليات، من ناحية الرفاهية والسفر وغيرهم من الأمور التي تشغل بال أي شاب بعمر العشرينيات، ولكن؛ بعد تعرضه للحادث؛ أصبح "رجلاً كبيراً بعمر صغير"، لديه وعي، واحترام كبير لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وهنا؛ قرر أن يستخدم سلاحه "الفن" ليوصل رسالة للعالم بأكمله بأن فاقد الشيء يعطيه بشكل ايجابي، مُحفز، ومُلهم.


الفن، مستساغٌ للأعين؛ فـيجذب أعين الناظرين؛ حيث أن الإنسان يرى، يفهم ويستوعب، ويتساءل، ولذلك استغل عبده موهبته الفنية في الرسم لـيثير الفضول بداخل كل إنسان ويجيب على أسئلتهم وإيصال رسالته.


صَبَرَ، تَعلم، ولم يتخل عن أحلامه بالرغم من الصعوبات التي واجهها، بل كان مُلهماً في كل خطوة نحو النجاح، وحقق نقلة نوعية في مفهوم الناس عن النجاح والتميز، وكان له حضور واثق، مُحفز، ومتألق في المجتمع.


"الحياة ليست وردية، وليست خالية من المشاكل، فإن لم تأتنا أيام صعبة، لن نستلذ بحلاوة الأيام الآخرى، ولـنصل للأيام الجميلة، علينا أن نمر بالتحديات ومواجهتها"



حياة جديدة ومبتكرة بيدٍ واحدة.


بكونه مصمم؛ صمم لحياته اليومية خطة للتعايش بيدٍ واحدة، وابتكرَ طرقاً جديدة لمساعدة نفسه للقيام بالنشاطات، ولم يحتكر ما ابتكرهُ لنفسه بل استغل وجود وسائل التواصل الاجتماعي في نشر فيديوهات تحفيزية له وهو يقوم بالنشاطات المختلفة بيدٍ واحدة، وتشكلت في الطبخ، تغيير قارورات المياه، وتمارين رياضية، وغيرهم من الأمور الحياتية.


عادةً ما يبدأ عبده فيديوهاته بشكل إيجابي، وتميز بابتسامته العريضة التي تبعث الأمل لكل من يشاهده، وبالفعل استطاع أن يوصل رسالته: " إن ذوي الاحتياجات الخاصة متواجدون في المجتمع، ولهم حق في المشاركة، وعلى الجميع أن يؤيدوهم ويعطوهم الأمل والدعم".



"إن كسرتك الأيام، أجبر نفسك لتصليح ما كُسر منك"




"حافزي أن أكون شخصا فعالاً، منتجاً، وقدوة للآخرين"


تعلم عبده من رحلته في الحياة: "إن الدنيا فانية" وعلّق:"في فترة حياتي هناك رسالة عليّ إيصالها، ولدي وظيفة يجب انجازها"


من الوظائف التي أصبحت واجباً على عبده، هي إثبات أن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم قدرات خارقة، وهم أناس فاعلون ومنتجون في المجتمع واحترامهم، واحترام مكانتهم المجتمعية واجب على جميع أفراد المجتمع.


وعلّق: "حافزي أن أكون عضواً فعالاً في المجتمع، أن أصنع التغيير وأكون سبباً في الإلهام، وأن أغير تفكير الأشخاص" ووجه رسالة لكل من يعاني من مشكلة، أو تعرض لحادث، أو صدمة: "لا تُخبئ نفسك عن العالم، لا تكن خجولاً، بل أطلق البركان الذي بداخلك، وسيتحول ضعفك لـ قوة مُنتجة"


"آمن بنفسك، وتخلص من الأفكار السلبية"




"هناك مُسلمات في حياتنا"


لم يكن عبده مُخيرا، بل كان مُجبراً ببتر يده، ولكنه يؤمن بأن المسلمات محتمة علينا، ولذلك تجاوز جميع الصعوبات:

"هناك مسلّمات في حياتنا علينا أن نعيشها، ويقيني بالحياة أن نأخذ هذه المسلمات بشكل ايجابي، مثلا؛ بعد تعرضي للحادث كان من الممكن أن يكون مصيري أسوأ، ولكن لم تؤثر علي الأفكار السلبية، بل تيقنت بمسلماتي وتعايشت معها بشكل ايجابي، وبإمكان أي إنسان أن يغير نتيجة ما تحتم عليه، التعايش مع جميع الصعوبات، وأن يحول الأفكار السلبية إلى إيجابية"


"المُلهم بالنسبة لي هو الإنسان الناجح"


لا يوجد شخص معين يُلهم عبده، بل يستمد الإلهام من كل شخص ناجح، ويقدّر كل إنسان يصنع التغيير والتأثير، وكل من يحاول أن يكن مؤثراً.


ولكن؛ والدته تعطيه الإلهام بلذة حياتية خاصة؛ فهي السيدة التي ساندته في جميع مراحل حياته، بالإضافة إلى أنها سيدة أجنبية تغربت من بلدها اليونان إلى بلد مختلف بثقافته، وعاداته وتقاليده ولكنها استطاعت أن تتأقلم ببلدها الثاني الأردن.


وفي النهاية، الرسالة الأسمى من عبده هي: "أتمنى أن يكون هناك دعم لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لـنمدهم بالثقة ونعوضهم عن الخسارة التي تعرضوا لها، وأن تكون النظرة الموجهة لهم نظرة حُب واحترام ليس شفقة، ونوفر لهم فرص تطوعية، ووظيفية، لتكون لهم مكانتهم المميزة في المجتمع"




بقلم هبة سكجها


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مِنْ الدَاخل

تدوينات ذات صلة