تتحدد اجتماعيّة المرء بعزلته! في هذه القولة لن تجد حلًا للعزلة الاجتماعيّة، فلا تُكمل قراءتك؛

كي لا تُتعب نفسك في البحث عن حلول للتخلص من العُقد الاجتماعيّة الحافّة بك بدافع من الإيحاء الاجتماعيّ المُسيطر.

فالشابكة غاصّة بعنوانات ما تريد، ( كيف تتخلص من العزلة، أهم خمس طرق للعزلة الاجتماعيّة، علاج العزلة الاجتماعيّة،.. ودواليك).

حتى أصبحت العزلة مشكلة، بل مرض لا بدّ من علاجه؛ لئلا ينحل المجتمع ويتفاقم الحال، وتضيق المسألة..

وما يجب معرفته أن المصطلحات لا تتشابك في مرادها، ولا تتصل بدلالاتها، فإن كان قصدك بالعزلة أنها مرض نفسيّ، فلا تُلبسها ما لا فيها، وإن كنت تقصد بمفهوم الانطواء فهنا أتفق معك في ذلك على أنه مرض شعوريّ، لا يد فيه، أما العزلة فهي اختيار صاحبها لها.وعند قراءتك لمصطلح العزلة في اللغة الثانية(Solation)، سيتراءى لك قراءتها(Solution) أي الحل، والعزلة هي الحل.

بها تُدرك حقيقة الكون وسرّه، وتعي توازن النفس البشريّة، وهي وسيلة ناجعة للتغلب على المُنغصات الدائرة في سلك العلاقات البشريّة، كما تقوم بالسيطرة على المُشتتات العارضة في طريقك في ركح أطرافها المُتجزئة، وهي الطريق الأسلم لممارسة التأمل الروحيّ، وبذلك يتحقق التنوير الذي من شأنه أن يعكس ذلك كله في الغيريّة، العالقة في الأنيّة.

فبذلك لا يمكن عدّ العزلة نزعة انعزاليّة، بل من الخطأ وهذا ما جاء به المفكر وأستاذ الفلسفة الروسيّ،(نيقولاي بردياف) في كتابه (العزلة والمجتمع) بأن العزلة ظاهرة اجتماعيّة بمعنى من المعاني؛ لأنها تفترض الشعور بالذات الأخرى اتصال الأنا باللاأنا، فلا وجود للذات من دون الذات الأخرى مرادفًا للعالم المجرد الموضوعيّ.

وفي أعمال ميشيل فوكو الأخيرة (تاريخ الجنسانيّة) يجد أنه من الناجع أن يفكر الإنسان في ذاته بطريقة مغايرة على (الإيتيقا) رغبة في تكوين حياة متوازنة بين الأنات ككل، بمراقبة الذات، واختبارها، و تغييرها في النظر بما فيها من كوامن، وكل ذلك يكون بالعزلة التي تُحقق كينونة الإنسان الحقّة.

وهذا ما تكلم به (كافكا) بأن العزلة هي الطريقة التي نتعرف بها على أنفسنا، وهي التي تعيد ربطنا بالواقع كما وصّفها (رالف ايمرسون).

كثيرة هي المسائل التي تعترض المرء في صروف حياته وفي أرزاء دُنياه، وفي قوارع حوادث الدهر، وخداع القريب، ودسيسة الحقود.

فهذه الثِقال، لا تستطيع النفس تحمُّل تبعاتها إن لم تُحقق السلام الوجوديّ في صورة الإنسان القويم في مُصاحبة كل مشاكله وهمومه ، بفهمها، وإدراكها، وتسويتها، فإصلاحها، وصولًا للحل السديد؛ برؤيته الثاقبة.

فهذا الركن الدافئ الذي تهبه لنفسك العالية، تشنق فيه مُنغصات الحياة بحبال العزلة.فهي ميزة لا يحظى بها الثاقب، يقول عمر بن الخطاب "خذوا حظكم من العزلة"، وهذا ما نصحنا به الإمام الشافعيّ في قوله :" من أجل أن يفتح الله قلبك، أو يرزقك العلم، فعليك بالخلوة.." ، فهي رياضة للعقل، وصحة للجسد، وراحة للبال.

هي الزاوية التي يسمع فيها المرء نفسه بما ترغب، وهي طمأنة للقلب من لوعاته، هي الوقوف على الأصالة الكامنة في شموليته التكوينيّة.

فبذلك يخرج الإنسان يُفكر في مسائله الشخصيّة والإنسانيّة، إنسان كامل حيّ.

فاختر أن تكون منعزلًا على أن تكون خاسرًا !

أُشدّد على اتخاذ العزلة منهجًا اجتماعيًّا في مهارات الحياة البشريّة، مع مراعاة أن تكون عزلة آنيّة لا مطلقة، تحقق غائية وجوديّة سليمة.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

عندما تخرج العزلة عن قرار من ذواتنا فهي في مسارها الصحيح، أمَّا إن كانت اضطرار فهنا تكمن المشكلة.
قضية مهمة🌹

إقرأ المزيد من تدوينات Eman Mohammad Khalil Qasmiah

تدوينات ذات صلة