الوقوع في فخ الحقيقة في رسالة ذات دلالات من أمل وملحها إلى عايده وفلفلها

استيقظت اليوم وأنا أردّد هذه العبارة. لم أفلح في التخلّص منها إطلاقًا يا عايده. كانت العبارة تمدّ لسانها لي أينما تحركت في البيت بعد عودتي من توصيل صغيراتي للمدرسة – أخيييييـراااااا – بعد أسبوعين من التعلم عن بعد وقبلها إجازة الفصل الدراسي الأول... و...

أيّ فخ! فخ اعتقادنا بأننا سنحظى ببضعة ساعات من العزلة الحبيبة إلى القلب لنختلي بأنفسنا ونتمكن أخيرا من خبط دماغنا فالحيط أو أي عمل محبب إلى قلوبنا لا يمكن أن نشرك به أحدًا.. كالكتابة مثلا!

لكن لا، كان البيت ينتظرني.. شوفي الباركيه عايز مسح؟ شوفي في غبار فوق الطاولة! شوفي في الدولاب عايز ترتيب! شوفي المطبخ ميعاد الغدا قرّب! لا.. لا.. متنسيش البنات في المدرسة الحقي عليهم! طيب وفنجان القهوة الاصطباحي مع ساشا على رواق....؟؟؟ ها؟؟ لاااااااااااااااااا!!!!

قلتِ لي تجربة يا عايده! ها؟ تجربة؟ والذي رفع السموات بلا عمد، نحن أدرى بالتجربة، لكننا كنّا أيضا في التجربة! تجربة الأهل والمجتمع، قبل تجربة الزوج.. وأيًّا كانت حربك، فأنتِ في كِلَيها خاسرة – خسارات تشبه الصدأ المتآكل على جوانب الروح.. تقضمك على مهل، مع تقادم الزمن.

اليوم كنتُ أحادث أخي عن لقاحات كورونا، وموجة التطعيم التي هبّت في الناس فجأة وإشاعة أنهم سيمنعون من دخول الأسواق دون حصولهم على التطعيم بعد شهر من الآن، كان يعاند ويقول إنه ليس فأر تجارب، ويرفض اللقاح رفضًا قاطعا قبل مرور ثلاث سنوات على اختباره، لا أدري كيف وصل النقاش إلى مسألة الزواج، وأن الطّبع الإنساني – وفطرة التكاثر – تفرض على الزوجين البحث عن الشريك الأفضل من ناحية الصحة والذكاء والشكل و.. إلخ هذه المواصفات الكتالوجيّة.. خالفني لدقائق عندما قلتُ له إن حماتي مثلا كانت مهتمّة جدا جدا جدا بمسألة ألا تكون عروس ابنها تلبس النظارات الطبية، وذكية كي تورّث ذكاءها للأحفاد، وطويلة وبيضاء كي تزيد في طول العائلة وتشطف بشرتهم، و.. و.... قاطعني أخي قائلا: أديسون كان يعيّر بغبائه في طفولته، هل معنى ذلك أنه كان عريسا مرفوضا على مقاييس حماتك ومقاييس الناس؟ ضحكتُ، وأجبته: يا أخي الحبيب، أديسون الأجنبي انتهى ذكيًّا، لكنه لو كان عربيًّا لما انتهى هذه النهاية المشرّفة، بل لوجدته في الدرك الأسفل من جهنّمنا.. وعلى كل حال.. أساسا.. أساسا.. الناس تتجوز ليش؟ هوا إحنا ناقصين كائنات بشرية لزجة تدمر الكوكب! الكوكب في حاجة لنيزك يمسح كل من عليه، ويعيد عدّاده إلى الصفر من جديد! ثم مرّ في خاطري مشهد فيلم Lion حينما قالت نيكول كيدمان للطفل الهندي الذي تبنّته إنها لم تكن عاقرًا لكنها لم ترغب في الإنجاب لزيادة عدد سكّان الكوكب، بل كانت مؤمنة بأن إنقاذها لطفل – موجود على الكوكب فعلا – أهم من إنجاب واحد آخر من صلبها. مرّ في خاطري المشهد مرة واثنين وثلاثا وأنا أضرب نفسي بالشبشب وأحدّثها: لم غاب عنّي هذا الوعي؟ ولم أدركته متأخرة؟ وهل كان الأمر سيختلف معي لو أدركته مبكّرًا؟

كنتِ تتأملين فردة شبشب مقاس 43 يا عايده؟ هذا الكوكب يحتاج جزمه بمقاس جودزيلا!

إنني أقرأ رسالتك اليوم فقط؛ فقدتُ شهيتي تجاه مشاركة أي شيء على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الثلاثاء الماضي.. بكيتُ كثيرا في ذلك اليوم، شغّلتُ الإذاعة الهندية ورفعت الصوت ليغطي على نُواحي وأغلقتُ باب المطبخ عليّ وأنهيتُ تنظيفه وأرضيته ودواليبه وثلاجته وبوتجازه وكل تفاصيله بما يشبه التّشفّي منّي، ثم نسيتُ أن أحضن نفسي حضن الفراشة كي أخفف حالة الجفاف الروحي التي شعرتُ بها بعدها، وأنا أخرجُ كمن ودّع بلادًا وسلّمها للهزيمة وحده دون أن يشعر به أحد. شعرتُ بأن طين روحي جفّ وتشقّق.. أجل، بالضبط.. هذا هو الوصف المناسب. سألتني لين: ماما لماذا عيونك حمراء؟ أجبت: من البصل يا حبيبتي. هزّت رأسها واثقة في صدق إجابتي، ثم عادت لألعابها.

لم يكن فخًّا هذا الذي وقعنا فيه يا عايده.. نحن لا نقع، بل نذهب إلى الفخ برؤوس مرفوعة، وأقدام ثابتة.. ربما حافية، لكننا لا نُساق كالنّعاج!

جرّبي قولي: باااااااااع!

شُفتي؟


__________________________________

ملاحظة 1: أنا ناوية أطبّ عليك بكره.. شئتِ أم أبيتِ... اشتقت لك وعايزه أتنهنه وأتمخّط على كتفك!

ملاحظة 2: أين النص؟ لم أجده على جوجل درايف بعد.. وبلاش أتكلم أكتر.

ملاحظة 3: هل سبقَ أن طاردكِ اسم؟ اسم من أحرف تتكرر لا أكثر! لا.. ليست مطاردةً بالمعنى الحرفيّ، هل يمكنُ للأسماء أن تمنحنا الدفء؟ السلام؟ الحضن؟... لعلها تفعل!

رشة ملح

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رشة ملح

تدوينات ذات صلة