"انبهر كما تشاء، ولكن لا تطيل الانبهار فقد يخلف الانبهار الانهيار"




الأضواء الساطعة والأنوار المتلألئة تخطف الأبصار، فتنبهر بها أيما انبهار. ثم تبدأ العين في التعود عليها رويدا رويدا حتى تألفها وتهدأ شعلة الانبهار. وكذلك الحال مع السكن بيت كان أو قصر، أو سيارة جديدة أو حتى طائرة خاصة، أو بدلة أو فستان جديد.

وكطبيعة الإحساس بالأشياء عند الإنسان، قد يكون لمظاهر الانبهار المختلفة مستقبلات على خلايا الأذن والعين والمخ تنتعش وتشتعل إثارة وقت الانبهار.

وحتى في المناصب والصداقات والخطوبة والزواج، يشعر الإنسان بالانبهار تجاه شخص ما أو شيء ما حتى يتمني ألا يتركه أبدًا مهما حدث، ثم تبدأ مستقبلات وبروتينات الانبهار تهدأ في النفس حتي تعود إلي حالتها الطبيعية.

وهذا ما يحدث تماما في التفاعلات الكيميائية سواء داخل خلايانا أو في أنابيب الاختبار. ففي البداية، تجد كل شيء هادئ جدا، ثم عند لحظة محددة تحدث حالة الانبهار والتي يحدث عندها التفاعل عندما تتقابل فيها وتتفاعل الجزيئات، ثم يستمر التفاعل إلي وقت ما ثم يهدأ ويعود الي حالته الأولي ولكن قد يصاحب ذلك تكوين مواد جديدة.

ولضبط حالة الانبهار هذه بيولوجيا، فقد زود الله الخلية بآلية معروفة ومحكمة بلا أي خلل لحفظ التوازن في وظائف الخلية المختلفة. وتسمي هذه الألية بعملية التأثير المرجعي بمعني أن نقصان مادة مثل هرمون الكورتيزول يؤدي إلى خلق تأثير إيجابي علي الخلايا المسئولة عن افراز هذا الهرمون الذي يحتاجه الجسم بمستويات محددة بُرمجت عليها الخلايا.

ولكن بمجرد أن يصل هرمون الكورتيزول إلى مستواه المطلوب أو يزيد عن مستواه بفعل فاعل مثل الخوف أو القلق أو التوتر أو الحزن، يصبح هذا المستوي العالي نفسه سببا في خلق تأثير سلبي على الخلايا المنتجة له فيبدأ في التناقص. وهنا يتوقف الانبهار ويعود الي حالته الطبيعية فيتجنب الجسم الآثار الجانبية لهذا الانبهار الكبير بهرمون الكورتيزول.

فإذا قابلت شخصا جديدا أو رأيت بيتا أو قصرا يثير العقل، أو سيارة أحدث موديل أو طائرة خاصة أو عامة، أو مسئول كبير أو ذو مال وجاه أو سلطان، أو تقلدت منصبا كبيرا فأصبحت أنت الحاكم الحكم، فمن الطبيعي أن تنبهر، ولكن احرص علي ألا تقع في بؤرة الانبهار فترة طويلة، فتعميك أضوائها عن حقيقتها وحجمها الطبيعي. وفي هدوء شعلة الانبهار فينا فائدة كبيرة حتى تجعلنا لا نشعر بالنقصان أو الدونية أو الاحتياج الغير مبرر.

فكن طبيعياً، انبهر ثم عد لحالتك الطبيعية في أسرع وقت ممكن. ساعتها سوف تقلل الأخطاء، وتضبط القرارات، وتستمتع بما تراه بثقة في نفسك واحتراما للآخرين.

كن كخلاياك التي تعمل في حكمة، وتري في الانبهار منفعة مؤقتة ثم تعود لطبيعتها حتى ولو تعرضت إلى موجات من الانبهار، فهي تهدأ سريعا حتى تتجنب الانهيار.

وكل انبهار يخفت وينتهي بالتعجب لماذا كان الانبهار، إلا الانبهار بقدرة الله وفضله وعونه في تحويل الأحوال من حال إلى حال وبلا أسباب، فانه يزداد ويزداد حتي تتعجب النفس ويتعجب الناس ولكن قدرة الله فوق كل الأسباب.

تحياتي

د. محمد لبيب سالم



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة