وبصفتي مغتربة، وغريبة عن البلد، أرى السعودية من منظوري، فهي من أحب بقاع الأرض

السعودية

.

.

ليلة الخميس ٢٣/ذو القعدة/١٤٤٣ هجريًا


في تمام الساعة الثامنة


أخطُ لكِ هذه الكلمات بدموع الحُرقة قبل يدي! لم يخطر على ذهني يومًا أني سوف أكتب آخر رسائلي لكِ، وأن الليالي ستمضي سريعًا إلى هذا الحد، ولكني بدأت بحزم حقائب الرحيل، بدأت بتوديع أركان بيتي وزوايا غرفتي، هنا لعبت، وهنا سقطت سهوًا فكسرت سنتي، وهناك جلست أشاهد افلام الكرتون على الأريكة بينما أمي تعد فطائر السكر اللذيذة، بين حنايا الصحف وحبر الأقلام تعلمت في مدارسكِ، هنا اكتشفت موهبتي وكتبت نصي الأول، هنا أتيحت لي الفرص لعرض كتاباتي على العامة، لا أعلم إن كنت في بلدِ آخر هل كنت سأكون انا؟! لولا الله ثم لولا سعة صدر شعبكِ لم تمكنت أبدًا من خطيّ خطواتي الأولى في عالمي، فأنا مدينة لكِ بالشكر العظيم، ف إليك أيتها البلد التي شهدت كل نجاحاتي، التي احتضنتني ستة عشر عامًا، والتي لم أعاني فيكِ من أي نوعٍ من الاضطهاد أو الرفض، ألتقيت بأعز الأصدقاء وأقربهم، جاورت ألطف الجيران و أمضيت أروع الأيام، من طفلة مشاغبة تقطف ورد حديقتكِ إلى فتاة بالغة تسير نحو الأفضل، علمتني الكثير والكثير، فمنذ ولدت وانا هنا امتص الخبرة و المبادئ والسمو أعرف هنا معنى العائلة معنى بناء الهوية، أعرف هنا أخطائي وأصححها، أرتب أولوياتي وأغير معاييري، اتطبع بطباع مجتمعٍ مبتهجٍ لا يكترث للمشكلات ولا يكدر سعادته لأتفه الاشياء، كانت معاناة طفولتي كيف أتخلص من أملي بالرحيل والآن أصبح كيف أتخلص من أملي بالبقاء! عصيبٌ ان تغادر وطنًا عشت فيه كأنك تغادر نفسك، أن تقضي اوقاتك في السفر السريع والقطارات والطائرات طوال الوقت، وجوهٌ غريبة طرقٌ مُبهمة ومعالمٌ لا معالمَ لها، أقر أنني أتوق اشتياقًا لوطني الحبيب و لكن الحزن لفراقك أقوى ، ذكرياتي كلها هنا و احلامي وافكاري انني أتخلى عن كل شيء بغتة! تمنيت لو اني سافرت هنا على كبر لكني جئت هنا وعمري لا يتخطى الستة أشهر فأسترك أشيائي و سيأكلني الحنين.


إلى بيتي:

لازلت أرى أوراق الزينة التي وضعتها في كل مكان على الحائط، و لوحاتي التي نثرتها على جميع حواف مكتبي، وسريري الذي أعود إليه باكية منهزمة من سوء الليالي، هداياي وعباءة تخرجي و كتبي و أغراضي انه لمن المؤسف البعد عنهم، على عتبة البيت مع قطة صديقتي البيضاء التي دللتها كثيرا، ونبتي التي زرعتها في تربة المنزل، و فوق السطح عندما اشعلنا النار مع الجيران والأقرباء وتسامرنا حتى منتصف الليل، تنهيدة طويلة على تلك اللحظات والمواقف التي وإن انتهت فلن تنسى، شعوري وقتها لا ولن يزول، وداعًا منزلي المفضل.


إلى مدرستي:

طاولتي وكرسي و سبورة الصف، عندما تشاركنا انا ورفيقاتي الرسم وتعالى منا الضحكات، وعندما قصت علينا صديقتي قصة رعب وفررنا جميعًا ركضًا إلى الباب، و إلى شرفة الصف التي قفزت منها رفيقتي خلسة باحثة عن تسلية جديدة، وهنا عندما صعدت إلى المسرح لأتسلم شهادتي وتكريمي، ووقت ما ألقيت قصيدتي الأولى أمام جموع الطالبات وحيتني المعلمة بحرارة، وعندما مرضت مرض شديد فلم يبقى احد الا وقد عايدني عن مرضي وسلموني الهدايا، والعديد من الذكريات التي لا يمكن حصرها في عدة اسطرٍ وداعًا كلمة ثقيلة علي ولكن يجب أن تقال، اتمنى ان تبقي يا مدرستي تخرجي أكفئ الطالبات وأنجحهم.



إلى صديقاتي:

انتم جزء لا يتجزأ من هذا المكان، هذه البلد لم تكن لتكون جميلةً إلى هذا الحد إن لم تكونوا فيها، لا أملك قوة ولا صلابة كي أقف أمامكم بعد عدة ايام وألقي عليكم التحية الأخيرة قد يتمزق قلبي حينها، النجاح والتوفيق والأمل والازدهار لكم ومستقبلا عامرًا بالإنجازات، اسامحكم على كل مرة اذيتموني فيها دون قصدٍ، واتمنى ان تسامحوني وتمحو كل الايام السيئة بيننا تذكروا الحلو فقط وألقوا المر بعيدًا، أحبكم وهذا كل شيء.

وأخيرًا سأظل على انتظار عودتي من جديد، لألتقي بكل شيء تركته والقي نظرتي عليه بعد سنين، ينتابني الفضول كيف سيكون كل شيء حينها؟، اتمنى ان تبقى يا وطني بخير ان تبقى متماسك ولا يهزمك الاعداء .

"إليكِ السلام يا أرضَ الرسول".


ندى سمير

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ندى سمير

تدوينات ذات صلة