قصة من تأليفي عن اللقاء الثاني بعد غياب مدة قصيرة


كل منا إلتقى أشخاص في حياته ، هنالك من جروحه ، من آذوه ، من أحبهم لدرجة لا توصف ، من خذلوه ، وهنالك ايضا أناس غيروا حياته إلى الأفضل ، وهنالك كذلك من فقدهم !، تخيل لو قابلت أحدهم الآن كيف سوف يكونوا ؟ وما الحديث الذي سيدور بينكم ؟



تهبط الطائرة وتستقر على أرض الوطن في المطار ، يبدأ الركاب بالنزول واحد تلو الآخر حاملين حقائبهم وأدواتهم ، يتجهون نحو المطار ياخذون ما بقيَ من حقائب سفرهم ، ثم يتفرق كل منهم من يغادر بسيارة أجرة ، من يتصل بصديق ليوصله ، منهم من تستقبله عائلته أمام بوابات المطار ، ويبدؤون بعناقه والترحيب به ، يسألونه عن أحواله اثناء سفره ، هل حرص على وجباته الثلاث ..وهكذا حتى يغادر معهم ، ومنهم من يستقبلها زوجها و أبناؤها وبناتها بفرح وشوق ولهفة كبيرة ، أما عني انا فلم أجد من ينتظرني ، أو حتى يلقي التحية علي ، برغم من أني اعرف الكثير لكن ذلك كان قبل سنوات سنتين أو ثلاث ليست مدة طويلة لكي ينسونني بهذه السرعة ، على أي حال لا بأس لقد وصلت بسلام وهذا يكفي . ( كنت أحاول بذلك الكلام مواسات ذاتي فحسب ، لكني لم أقتنع أنهم نسوني ربما تجاهلوني ! )

اللقاء الثاني98539857082141230
unsplash.com



أثناء سيري في طريق المنزل القديم ، أتامل وجوه البشر ليسوا خيرين كما كانوا ، ولم أرى تلك البسمة التي كانت تملئ وجوههم البشوشة ، ومنهم من لا اعرفهم ، معالم الطرق لقد تغيرت ، انظر إلى بيوت الجيران أنها خاوية ومظهرها تبدل كثيرا ، ثم رأيت المقهى القديم الذي كنا نتجمع به انا والأصدقاء يوما ما ، لكنه أغلق بابه ونوافذه ب100 قفل لم تعد تشرب به القهوة ولا الشاي ولا اي شيء ، وكتب عليه للبيع ب مبلغ قليل رغم جودته ! كل شيء تغير لم يعد كما كان ابدا !


وجدت منزلي الذي اسكنه ، ملامحه تبدلت أصبح كئيب لم يعد مبهج تملؤه ضحكاتنا كما كان سابقا ،صعدت الدرج خطوة بخطوة أمر على شقق الجيران مغلقة كذلك كانت لا تغلق ابدا وكانت دائما مزحومة بالاقارب والأصدقاء والأولاد الصغار ورائحة الكعك والخبز والحلويات والأكلات التي كان يتجمع الجميع ليتناولهم ، والصدمة العظيمة بالنسبة لي جاري الذي كان ولده يلعب معي في الممر وفي الطرق قد توفى ! وولده قد عزل وغادر ، صدمت كثيرا بما يحدث هل غبت قرن من الزمن ماذا جرى في الذكريات الجميلة دخلت شقتي وكلي هم وحزن وجدت امي تقيم الصلاة على كرسي لا تقوى على التحرك والقيام بسبب آلام ركبتها ، الانوار مطفئة ، والمسجل لم يعد يذيع القرآن والقصص والأشعار أصيب بالخرس، فوجئت امي بقدومي وعانقتني لكن لم أشعر بالدفئ الذي اعتدت عليه بدأت تسألني عن اخباري وانا مذهول بفراغ المنزل اين اخوتي وأبي واين من احببت ، اجابتني ابوك يرقد في سريره واخوتك يعملون في مدن وقرى أخرى لا نراهم الا قليلا ، اما عن من احببت لقد تزوجت وطلقت وهي الان تسكن لدى والدتها السيدة علياء ، لم أصدق ما سمعت ما كل هذا التغير السريع هل تزوجت وطلقت في سنتين ! وماذا عن حبي لها هل قلبها ما عاد يذكر اسمي وينبض به وانا ما نسيتها يوما ، دخلت غرفتي واستلقيت على فراشي لكنه غير مريح غرفتي اختلفت كثيرا لكني لم أستغرب لقد تغير الجميع الناس والأطفال والمقاهي والمطاعم والأماكن كلها ليست مشتاقة لي فكيف بغرفة تتبدل بسهولة وخفة ، نظرت من النافذة اين الخباز الذي كان يبيع الخبز الساخن يااه واين البلالين وبائعوا الزهور اين أصوات الطيور اين الشهامة والشجاعة بين الشباب اين الجد والاجتهاد ، لا يوجد غير صراع المتشاجرين وأصوات صراخهم لقد ضاق صدري وأغلقت النافذة، فكرت لبرهة كيف اعيد الحياة إلى حارتنا ماذا عليَّ ان افعل ؟! فتحت حقيبتي ووجدت مبلغ من المال وضعته في صندوق ثم وضعته في خزانتي ثم نمت على فراشي وأنا افكر في أمر ما ، وفي الصباح استيقظت مبكرا واخذت المال وخرجت وفي طريقي كنت اتلفت يميناً ويسارا وصلت إلى مقهى الفيروز نظرت اليه بشفقة وحسرة ، ثم اتصلت بصاحب المقهى كنت اترقب ان يجيب على إتصالي خشيت أن يكون غير رقمه كذلك لكنه أجاب على الإتصال سعدت كثيرا ، ثم أخبرته إني أود أن القاه في المقهى الذي يمتلكه ، قال لي لكني عرضته للبيع قلت له ارجوك الأمر ضروري قال لي حسنا .

قابلته وهو الوحيد الذي لم يتغير ، نعم خصل شعره البيضاء ، تجاعيد وجهه ابتسامته الحنونة ، طلبت منه أن يعد لي كوب شاي من يده فإن الشاي من يده مختلف تماماً ، أعده لي تسامرنا قليلا وبدأ يحكي، ويقص علي القصص والظروف التي مر بها، ثم في منتصف الحديث طرحت عليه سؤال

- لمَ عرضت هذا المقهى للبيع يا عم خليل؟

- أجابني بحزن شديد ما عاد الشباب يتجمع هنا ليحتسي القهوة السادة ،ففضلت بيعه على أن أشاهد مقهاي يخسر

- قلت له يخسر المال ؟

- قال لا ، بل يخسر دفئه ! بكى حينها وابكاني معه

- ثم قلت له امسح دمعتك سوف أشتري منك المقهى، واعيده كما كان بل افضل .

- قال لي وكيف هذا يا بني ؟! لا فائدة من المحاولة .

- قلت له من يقول هذا انت يا عم خليل ، الذي كنت تقول لنا المحاولة أهم شيء في الحياة ، إياكم أن تستسلموا - نعم لقد قلت هذا ، لكن تراجعت عنه كان مجرد حديث لا اكثر ، لا

يجدي نفعا ولا يغير شيء .

- لا تقل هذا سوف افعل كل جهدي لكي أعيده كما كان ، والآن خذ المال .

دفع المال لي

- وقال انه مجاناً يا بني .

صافحته وربت على كتفه ، وقلت بإذن الله لن اخذلك .

بدأت ادعو الاصدقاء والمعارف واصنع الإعلانات ، وكنت ادعو رفاقي لتناول المشروبات الساخنة لديه خصيصا ان الشتاء قد حل ، بدأت تعود الحياة للمقهى عادت أحاديث الماضي وعادت والذكريات معه .

وذات يوم دخلت المقهى فرح حبيبتي السابقة ، التي تزوجت وطلقت في سنتين غيابي عنها ، ونست حبي ، وقلبي وكل ما كان بيننا في الطفولة ، ولم افارقها سوى لعامين فقط .

دخلت المقهى وجلست على الطاولة التي كنت اجلس عليها قائلة :

- مساء الخير ، كيف حالك يا عامر ؟

- قلت لها ما زلت تسألين عن حالي ، انا لست بخير من دونك مع الأسف ، ما زالت تسكنين قلبي .

- قالت لا تعلم كم انا سعيدة بسماع هذا ، انت تحبني لم تنساني .

- لكنك نسيتني وتزوجتي .

- ماذا كنت سأفعل لم تتقدم لي ، وسافرت حتى لم تخبرني بشيء ، ولم تعدني بأننا سنتزوج ، لقد تقدم لخطبتي الكثير ورفضتهم بدون سبب ، وأهلي اجبروني على الزواج ماذا كنت سأفعل هل كنت سأنتظرك ؟! وما ادراني انك سوف تعود لي ، انت تلقي اللوم علي دون أن تعرف ما جرى لي وما هو عذري يالك من قاسي! ومع ذلك طلقت منه لم أتحمل أن أكون مع غيرك .

- أنا اعتذر جدا منك ، لم أقصد إزعاجك لم أكن أعلم كل هذا .

طلبت لنا الشاي واحتسيناه سوياً كما كنا نحتسيه في الماضي.

- اذا ما رأيك ان نعود ؟

- لم يعد يصح لقد أنجبت اولاد وانشغلت بعالمي ، إضافة إلى ان عائلتي سترفض رفض باتا وستتكرر قصة الزمن الذي مضى وما زال جرحه ينزف إلى الآن، لن نعود ابدا كما كنا .

- اذا لمَ جئتِ ؟

- جئت لأقول لك مبارك لك عودة المقهى كالسابق ، واني ما زلت أحبك وارجوك لا تحزن مني ، ولا تعتب علي اتمنى لك مستقبل جميل مع فتاة غيري ، والآن الوداع .

- أمسكت بيدها ، انتظري ارجوك لا تذهبي انا احتاجك مثلما احتاج الماء ، والغذاء ، والهواء انت لي حياة ، لست شخص عابر في حياتي ، لا تتركيني .

- مع الأسف ، لا امل وداعاً .

وغادرت ، رحلت عني، لم أكن أعلم انها المرة الأخيرة التي سوف أراها، واحتسي الشاي معها ، لقد عاد لي المقهى لكن من يعيد الأحباء والرفاق.


ربما كان الأفضل لنا أن لا نلتقي مرة أخرى ، وان نبقى على ذكرى اللقاء الأول ، لقد تغيرت وانا تغيرت أيضا ، اللقاء الثاني عذبنا ، أماتنا ولم يحيينا !

و إن أعادوا لك المقاهي القديمة ، فمن يعيد لك الرفاق !
مَاذا لَو كَان اللِقَاء الثَانِي، مُؤلِم أكْثَر مِن الفُرَاق ؟! حَيثُ تُصْدَم أنهُ ليسَ الشَخصُ الذِي قَابلتَهُ فِي اللِقَاء الأَول ، فَتخْتَفِي تِلكَ الذِكرَى الجَمِيلَة ، و تُكْسَر صُورَتُه التِي بَرْوزتهَا ، هُنا تَشْعُر أنّكَ جُرِحْتَ مَرتين أو رُبمَا أكْثَر ! ندى سمير




ندى سمير

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

يسعدني انها نالت اعجابك عزيزتي كل الشكر💖💖

إقرأ المزيد من تدوينات ندى سمير

تدوينات ذات صلة