إذا لم نأتي بجديد إلى هذه الدنيا ، فلا حاجة للدنيا إلينا ..
قدّر الله ولم يجعل لي من أصدقائي أُدباءٌ ولا فُقهاء، كنتُ
أطلبُ العلمَ وحدي دون تشجيع أحد في غربةٍ لم
أحظى بها بشيخ محدّث اقرأُ عليه متناً في الحديث ، ولا
بفقيه أعرضُ عليه كتاباً في الفقه كنتُ اقرأُ لوحدي ثم اقرأ ثم اقرأ ..
من فضلِ الله علينا أنه جعل منصّات التواصل الإجتماعي،فمن الناس من استغلها واستخدمها بما هي صُنعت لأجله
ومنهم من هم ..
دعوني لا أُكمل، ماعلينا .
فكنتُ ولازلت أجلس في مكتبتي أمام حاسوبي وكُرّاستي
وحبري ، وكتبي ، وقلمي .
الحاسوب كان هو الشيخ ، والإنترنيت هو المسافة البعيدة التي كان يقطعها طالب الحديث في القرون
الماضية لحصوله على حديث أو تثبّته من رواية .
كنتُ أقعدُ في مكتبتي مع الحاسوب وكأني في حلقة الشيخ.
لا لن أكذب ..
إن هذه إلّا مُكابرة من مُكابراتي المعتادة لكي أُرضي بها
نفسي وأُسعد بها واقعي ،
بل كنتُ أحسدُ الطلاب الذين يُحطيون بالشيخ دائماً وأقول:
آهٍ لو يَعقل غير المغتربين من طلّاب العلم
ويشعروا بالنعمة التي هم فيها ..
ولطالما كنتُ أُحدّث نفسي وأقول بنبرةٍ كلها حزنٌ وتمّني :يا ليتني كنتُ معكم فأفوز بما فزتم وأظفرُ بما ظفرتم.
نعمة الظفر بثني الرُكب أمام الشيوخ وقراءة الكتب
والمتون عليهم ، والتعلم من آدابهم ،والأخذُ من سمتهم.
وهل يوجد أوقر وأجمل من سمتِ علمائنا .. ؟
درستُ وقرأتُ متون التفسير والعقيدة والفقه والحديث
والنحو مع حاسوبي وكُتبي وأنا لم أتشرّف بملاقاة شيخٍ
واحد، أسمعُ منهُ ويسمعَ مني، بل كنت وأنا في الدرس
إذا خطر على بالي سؤال أو أشكل علي إشكال ،
دعوتُ ربي أن يسأل أحد الحاضرين من طلاب
العلم الشيخ ، وقد حصل ذلك أكثر من مرة ، ولكن لم يُقدّرربي سبحانه الإستجابة لمسألتي تلك إلا مرةً واحدة ..
قرأتُ المتون مع شيوخي وأنا صامت ، وسألتهم وأنا
ساكن، كان الشيء الوحيد الذي استطعته ، حضوري
الدروس من تلك الآلة الالكترونية والسماع بقلبي ،
دون إستطاعتي سؤال أمر أشكل عليّ.
لم أتمكن بعمل ابن عباس رضي الله عنهما عندما سُئل :
كيف حظيت بهذا العلم كله؟ قال : (بلسانٍ سَؤُول وقلبٍ عقول) ، فقد تمكنتُ من الثانية ولم
أتمكن من الأولى .. ولله الحمد.
نعودُ إلى العنوان الذي علا هذه الفضفضة :
يقول الإمام الشافعي :
كم مات قومٌ وما ماتت مكارمُهم ..
وعاش قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ ..
وقالَ أحدهم :
قَومٌ ببَطن الأرضِ تُنسَى قُبورُهم ..
وأفعَالهم حتى القِيَــــــامة تُذكرُ ..
ماذا لو مِتنا وتوقفت حسناتنا .. ؟
ماذا لو مِتنا ونُسينا .. ؟
ماذا لو توفانا الله ولم نترك بصمة علم يُنتفع بها .. ؟
إذا لم نأتي بجديد إلى هذه الدنيا ، فلا حاجة للدنيا إلينا ..
فنكونَ عالةً عليها ، نضرُّ ولا ننفع .
فلنكن بإذن الله ذو نفع وذكر بعد موتنا،
ليس للصيت والسُمعة، معاذ الله ، إنما لجريان حسناتنا بعد فنائنا ، فإننا والله إلى ذلك لمحتاجون ..
فيقال فينا كما أنشد أحدهم:
(رحمَ اللهُ فلان كان وكان وكان … لنْ تُذكرَ إلاّ الأعمال ).
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
من وسائل الفوز والنجاح :الاعتماد على الله اولا واخيرا .. أكمل مشوار حياتك.... وفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه