لا خير في قوم ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبون النصح.
تفكرتُ أيّام في هيئة النصيحة التي يجب أن تُعطى للناس ، فتدخل على القلب بسلاسة ، وعلى النفس ببَهْجَة ، وعلى العقل بخدعة ، تأملتُ كثيراً في أحوال الناس التي تُقدَّم إليهم النصيحة عادةً ، وتأملتُ في أحوال الناصحين ، تفكرت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكررته عندما قال :
(إن الدينَ النصيحةُ _ إن الدينَ النصيحةُ_ إن الدينَ النصيحةُ. قالوا : لمَن يا رسولَ اللهِ ؟ قال : للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم).
كثُرَ تفكيري وبحثي في علاقاتي ومعاشرتي للناس ، فوجدتُ بعد مواقف وخبرات وحوادث حصلت معي ،
أنّ الناس الذين تُقدم إليهم النصيحة على ثلاثة أحوال :
- الأول : العقلاء ، وهم من أرادوا الحق ومعرفته واتبّاعه والعمل به ، هؤلاء إن أتاهم ناصح وإن كان ليس أهلاً للنصح ، ولايملك أسلوباً للنقاش ، ولا علماً بالأحوال ، فإن المنصوح يأخذ كلّ ماقاله بصدرٍ رحب وبالٍ واسع ، وفقهٍ طالع ، فهذا العاقل يأخذ ما يراهُ نافعاً له ، ويضرب بعرض الحائط ماتبقى ، أو كما يُقالُ في العاميّة : يرميه في البحر، ولا يُناقش ، لأنه يعرف حقّ المعرفة ، أنّ هذا الناصح لاينفع معه النقاش، ولا يُلقي السمع للبواح، وحقيقة هذا الناصح أنه لم يأتي ناصحاً ، بل أتى ناقداً ، مُذّماً ، حابطاً ، للهمّة كاسراً ، ولكنّ المنصوح كان أوعى مما توقّع ..
- الثاني : المتشبثين بالرأي ، هؤلاء لايرضوا بما تتكلم، ولايدعوك تتكلم أصلاً ، وإن تكلمت ، لما رعوا لسماعك الأُذن ، ولا خفضوا لمبتغاك التفكير ، حسبوا أنّ السمع للناصح والأخذ بما يقول إن كان مُحقاً مَثْلَبَة لا منقبة ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، وظنّوا أنّ التراجع عن الرأي خَطِيئة ، وقبول الحق نقيصة ، وأنّ آراهم هي من يجب أن تفوز دائماً ، وقد بسطت الكلام عن هذا في غير ما موضع. (١)
- الثالث : العصاة البسطاء ، هؤلاء أقوام ، عصوا واستغفروا ، تابوا وعادوا ، أخطؤوا وأصابوا ، قلوبهم جميلة لكنّها ليست بذلك النقاء ، وعقولهم كبيرة لكنّها ليست بذلك الوعي ، إذا أتتهم النصيحة ، شكروا لأهلها ، وبيّنوا لهم إخفاق محاولاتهم ، وطلبوا للهداية الدعاء منهم ، واستغفروا لذنبهم ، وحاولوا ، وحاولوا ، ثم حاولوا ، عرف الله صدقهم في ترك الخطيئة التي نُصحوا بسببها ، ومحاولاتهم ، وتخطبهم بين حبّهم لها ، وحبّ الله ، فصرف الله عنهم كيد تلك المعصية .
وقال عنهم : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (التوبة 102). فعسى الله أن يتوبَ علينا ..
سيُنشر أحوال الناصحين أيضاً قريباً إن شاء الله .
________________
(١) .. ( مقالة التشبث بالرأي ) نُشرت في منّصة مُلهم.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات