تدوينة تحمل ما بين سطورها كثيرا من ما لا يستطيع أحد فينا البوح به؛ تكشف ما وراء ستار القوة والهدوء الظاهر على محيانا.

من منا لا يؤرقه النوم ليلا؛ويخذله في أشد اللحظات احتياجا له ؛ من منا لا يتقلب في فراشه ساعات طويلة قبل أن يسقط مغشيا عليه من التعب دون معرفة لا كيف ولا متى غفى ،ومن منا لا يقضي معظم وقته في التفكير المفرط. لحظة من فضلكم؛دعونا نقف عند هذا السطر الأخير "التفكير المفرط" ماهو هذا الأخير وماهي تداعياته؟

التفكير المفرط ؛ قد أصبح إلى الآن نمط حياة الكثيرين منا؛ فلم نعد نترك شيئا لحال سبيله؛ أصبحنا نعيش صباح مساء في تفكير معمق ومفصل لكل تفاصيل حياتنا اليومية؛ نفكر في دراستنا؛ هل سننجح أم سنفشل؛هل سنتم في الموعد المحدد أم نفوت الرحلة؛ هل سنصل إلى هدفنا أم أنه لا يزال بعيدا وليس مقدرا لنا الآن. نفكر في الدراسة حتى تصبح تشغل تفكيرنا وترافقنا طوال ساعات اليوم.

نفكر مفرطا في العمل؛مجرد مصطلح العمل؛ يؤرق ويفتح مجرة للأسئلة اللامتناهية. كيف ستمر أيام العمل؛هل سنبلي حسنا؛ هل سأطور من نفسي؛ هل سأواكب سوق الشغل؛وهل سأظهر مؤهلاتي كما يجب. كثيرة هي الأسئلة التي يستحيل أن تمر مرور الكرام دون أن تأخذ كثيرا من التفكير.

نفكر في الحياة ومتطلباتها؛ نستيقظ صباحا ونبدأ الركض وكأننا في سباق للفوز بجائزة عظيمة في نهاية اليوم؛والتي غالبا ما تكون قسطا صغيرا من الراحة؛نفكر بالوقت وفيما سوف نقضيه؛حتى لا نضيع لحظة.

الحياة ومتطلباتها؛من متعة وعمل ؛سفر واحتياجات كأكل ولباس ؛شراب ؛ استجمام وتطوير للذات وكأننا نسعى للكمال الذي لن نصل إليه مهما تعبنا،فلا أحد كامل؛ كل ينقصه شيء؛ وأبسط مثال أننا نسعى للكمال وهذا بحد ذاته اعتراف كبير بالنقص في ذواتنا.

نفكر في المستقبل؛ ولعل أكثر ما يؤرقنا ويجعلنا نفكر كثيرا هو المستقبل وخوفنا الجامح منه. الخوف من حياتنا القادمة؛ من تطور الوقت ومن أنفسنا وروحنا وكبريائنا. المستقبل لكونه غامضا غير مسبوق لعهده؛ يبقى خفي التطلع؛ لا ندري أحواله ولا محلنا أين سنكون. نفكر في المستقبل كوحش كاسر لا رفيق له؛كسراب يجر كل ما أمامه ويمحي أثر ما خلفه؛كقاع سحيق يغرق فيه كل ماهر ومتفاخر؛ حتى الصادق الأمين يغرق لثقته العمياء.

نفكر في الطموح وكأنه شبح يطاردنا مذ أن خرجنا إلى العالم، طموح بني في أنفسنا وأرواحنا منذ ولوجنا صفوف التعليم الأولي؛ ولعله أول سؤال يتبادر إلى ذهننا عند دخولنا القسم؛ وهو بالفعل أول سؤال يطرح علينا في أول يوم لنا في المدرسة؛ ماذا تطمح أن تكون مستقبلا؟. سؤال لقلة عدد كلماته وعمق معناه؛ يمكنه أن يأخذ منك شهورا وشيئا من التفكير المفرط، رغم أنه قد يدفعك إلى بناء نفسك أحسن بناء؛ وتطوير ذاتك والمضي قدما نحو حصد مزيد من النجاحات والتطورات، لكننا نظل نطمح إلى أكثر مما وصلنا إليه؛ وهذا بحد ذاته يؤرق ويخطف النوم من عينيك.

وقد تمر أحيان كثيرة نجد أنفسنا نفكر ولا ندري فيما نفكر؛ نفكر دون وعي ولا إحساس؛وكأننا غائبون عن دائرة الإستيعاب قد نكون أمام أمواج البحر العالية وصوته العاتي؛وطيور القطرس المحلقة في الأعالي بحركات رشيقة وأصوات متتالية؛ تعزف لحن الحياة المرير. من يلحظنا من بعيد قد يظن أننا نتأمل أو نستمتع بلحظة جميلة؛لكننا في الواقع نرى ولا نستوعب نسمع ولا ندرك؛ نحس ولا نستشعر.لا ندرك أمواج البحر؛ فهي تبدو لنا جامدة لا تتحرك؛ لا صوت ولا نسيم لها؛ ولا طائرا يحلق فوق رؤوسنا ولا أحد حولنا وكأننا وحيدون في هذا العالم.

نفكر في الفراغ؛ حتى نصبح في متاهة طويلة مظلمة لا بداية ولا نهاية لها. لا نفكر في شيء واحد؛ بينما نفكر في كثير من الأشياء؛ تناقض مجهول المصدر؛ يلعب بكياننا وكبريائنا؛ نقاوم الصراخ والبكاء بوجه مرير لا تعابير عليه وكأننا بدون مشاعر ولا أحاسيس؛ في حين أن داخلنا بركان يغلي من كثرة الإضطرابات والتساؤلات. بركان يكاد يقذف لافته في وجه كل شخص قد يقطع عليه شروده في تلك اللحظة.

وبهذا يبقى التفكير المفرط فارضا نفسه في حياتنا اليومية كوسيلة حياتية يجب التعايش والتأقلم معها كنمط حياة جديد في واقع متطور .


دمتم سالمين ومفكرين إيجابيين.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات زينب الكامل

تدوينات ذات صلة