قصة بالعامية المصرية للكاتب زياد طلعت من مدونة كوابيس

خليني أعترف إنها كانت أسوأ الليالي اللي مرت عليا طول حياتي ، النهاردة تميت 35 سنة ...، عيد ميلادي فكرني بفشلي أكتر ، فكرني إني بقيت في منتصف العقد الرابع من عمري من غير ما أحقق أي حاجة من أحلامي ، مش بس كدة ..انا يمكن مستقرتش في وظيفة اكتر من سنة ، بكره الروتين ، الرتابة ، التمثيل اليومي إن كل شئ تمام رغم أنف الملل ، فكرني كمان بالإنسانة الوحيدة اللي حبتها واللي للأسف مقدرتش تفهم أي حاجة من ظروفي غير إنه فعلا منتهي الفشل و مقبلتش بيها ، الوحدة ، الحزن ، الندم علي اللي فات ، كل دي حاجات كانت كفيلة جدا تخلي الليلة في غاية الحزن ، مكنتش أقدر أقعد في البيت أكتر من كدة وكالعادة حبيت أنزل أتمشي شوية بعيد عن الناس والزحمة ..ده دايما بيخليني أحسن ؛ عديت الكوبري اللي علي الطريق السريع للمدينة و بدأت أتمشي ، الساعة تقريبا 11 بليل ، توقيت مثالي للعزلة و الهدوء ، الطريق ده في العادي مبيكنش فيه مشاه كتير لكن طبعا مبيخلاش من العربيات تحديدا عربيات النقل الثقيل للمصانع اللي علي ضواحي المدينة ، بس الليلة دي كانت هادية جدا ، العربيات نادرة جدا و كأنه أتمنع مرورها فجأة بقانون جديد ، فاكر اني تقريبا مشيت لمدة نص ساعة ومشوفتش غير عربيتين ...بس كل ده كان كويس و بيخدم الهدوء المطلوب عشان أقدر اهدي ، المشي عل كوبري ، هدوء الليل ، مفيش دوشة عربيات ، مكنتش احلم بأكتر من كدة عشان أكون أحسن ....بعد ساعة تقريبا ومع تمام الساعة 12 شوفت حاجة علي بعد أمتار مني ، في البداية مكنتش قادر اميز في الضلمة ..لكن لما قربت شوية قدرت أشوفه ... راجل عجوز قاعد علي كرسي متحرك علي جانب الطريق وكان بيشاورلي بلهفة وكأنه ما صدق لقي حد ... قربت منه بسرعة و سألته : أقدر أساعدك ازاي ؟- متشكر جدا إنك وافقت تقف علشاني، أنا كنت في طريقي للبيت في عربية أبني بس حصله مشكلة وأضطر إنه يسيبني هنا ويرجع بيته ، انا بيتي مش بعيد في أخر الطريق قدام بس الحقيقة انا تعبت من زق عجلات الكرسي وكنت محتاج شاب زيك يزقني لحد هناك وهكون ممنون ليك جدا ...= طبعا ، هكون مع حضرتك - متشكر جدا يا حبيبي = العفو يا فندم علي أيه بس - مراد ..إسمي مراد = و انا عمر ، اتشرفت بيك يا أستاذ مراد - خليها مراد بس ، وانا كمان أقولك يا عمر ، انت في سن أبني تقريبا وانا معود أبني يناديني بأسمي بردو ...كنت مستغرب الموقف جدا ، ازاي أبن يسيب أبوه القعيد في نص الطريق السريع و يمشي ، الأمر غريب لكني كنت مكسوف أسأله علشان ميحسش إن ابنه مقصر في حقه خصوصا إنه كانت بيتكلم عنه كويس وكأن اللي حصل ده عادي ....- طبعا انت بتسأل نفسك ازاي أبن يسيب ابوه العاجز في نص الطريق بليل ويمشي ....بس انا بحاول الاقيله ، يمكن مشغول ، يمكن حصلت مصيبة في حاجة اهم من أبوه فأضطر يسيبني ...اهو اي حاجة تخليني اقدر اكمل حياتي من غير ندم إني خلفته = أنا آسف جدا إني بسمع منك الكلام ده بس فعلا عندك حق ...الندم شئ فظيع بس ملهوش لازمة طول ما الأمل موجود - فعلا ...الأمل مسكن مريح ...الرد كان غريب ، بس نبرة صوته الهادية و إتزانه خلوني احس براحة في الكلام معاه ، خصوصا إني لوحدي ومحتاج حد أكلمه ...، بقالنا حوالي نص ساعة ماشيين ، حسيت بتعب شوية أخدت نفس عميق وأنا بقول : يااارب- تفتكر هيساعدك و يسمع دعوتك ؟= مين ؟- ربنا ...اتخضيت و إتفاجئت من سؤاله قبل ما ارد عليه واقول : أكيد ، أكيد طبعا ..- اترددت شوية قبل ما ترد != لا ..لا خالص ..انا بس اتفاجئت من سؤالك - ليه اتفاجئت ، ليه سؤال زي ده يفاجئ ، أنا بس قصدي إنك شايف نفسك شخص لائق كفاية و جدير بإن دعوتك تتسمع!؟ ..= يمكن أكون مش ملاك بس ...بس ربنا بسمع كل دعاوي عبيده ولو لازم اللي يدعي يكون شخص نضيف 100٪ يبقي اللي زيي يدعي لمين . ..و ربنا غفور رحيم ..- (ضحكات خفيفة ) : تفتكر بعد كل العك اللي ممكن تكون عملته في حياتك ..ممكن يغفر لك != مممممممم.....اكيد - اترددت تاني .... تفتكر يا عمر الأرض لو مكنش عليها بني ادمين كانت بقي احسن ولا اسوء ؟= اكيد كان هيكون في اختلاف ...كانت ممكن تكون اسوء في حاجات و احسن في حاجات تانية- (ضحكات ) : تفتكر كان هيبقي في قتل ، سرقة ، زنا ، خيانة ، ظلم و خوف !....اصل يعني..كان منين هيجي القتل من غير ما يعملها اخ لك من قبل ، منين هتيجي السرقة من غير الطمع ، منين كان هيجي الزنا من غير الشهوة ، منين كنا هنعرف الخيانة من غير غدر البشر وطبعهم ، منين كان هيجي الخوف من غير وجود الخايفين ، اللي قادرين يحولوا أي إنسان لنصف إله لمجرد خوفهم منه ....كانت هتبقي أحسن يا عمر ...كانت هتبقي أحسن ...

كان عنيف جدا في كلامه ، كنت حاسس بالكرسي بيتهز من بين أيدي من شدة رعشة جسمه وعصبيته وهو بيتكلم ، مكنتش لاقي رد ، رجلي بقت مش شيلاني ، في لحظة حسيت بسخونية رهيبة من بين أيدي و كأن الكرسي بيغلي ، من شدة الحرارة سيبت الكرسي ومقدرتش امسكه ، رجلي متكتفة في الأرض مبتتحركش ، وقبل ما أبدأ أتكلم أو أنطق بأي كلمة ...حرك رقبته لورا وباصلي بهدوء وبردو ملامح رهيب و أقدر أقسم إني شفت عنيه بيضا تماما و وشه كان بدأ يحمر بشكل مرعب ، جسمي كله ارتعش لما باصلي ، الدم نشف في عروقي ، لساني متكتف مش قادر أنطق ، وقبل ما احاول افك عقدة لساني ، قالي : - إحنا كدة وصلنا يا عمر ...تقدر ترجع وتسيبني الطريق كان فاضي تمام لسة موصلناش لأخره بس قبل ما يكمل الجملة لقيت نفسي بلف وبجري بأقصى سرعة من غير حتي ما أبص ورايا ...

لحد النهارده معرفش مين اللي انا قابلته وكان عايز مني ايه ، لكن كل اللي قدرت أفهمه إنه منجحش في اللي كان عايزه مني ...يمكن عشان كدة مكملناش الطريق لأخره....

زياد طلعت

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة