عندما تمتلك الإنسان حكة الكتابة، لا يشفيه منها سوى كشطها بالقلم.
عندما بدأتُ أجيد حياكة الحروف وانسجام الكلمات ، أبصرت ما لم يبصره المبصرون حينها، ووجدت طوق النجاة للكلمات التي بداخلي التائه في بحر الفراغ، فأعنتها على انبثاق بريقها للعالم أجمع ، وكما قيل كل الطرق تؤدي إلى روما، كذلك الكتابة سواء بريشة أو قلم أو آلة تؤدي الغاية نفسها، بل هي تجمع ما بالكاتب من خيال وجنون يصاحبه الشغف حتى يقذف هذا الفن البديع ذو التركيبة الساحرة وينثره على الورق .
بالقلم يُصنع الفكر وتُبنى العقول ،فمرآة الكاتب كلماته التي تعكس شخصيته وأفكاره التي عزفها بين قلمه وصفحاته كقائد فرقة موسيقية ، يُبحر بنغمات الحروف وانسجام الكلمات التي تتراقص طربًا ولحنًا يهيم به من يفهمه ويُذهل جاهله، لذا عندما يضطرب الكاتب من وحدته بين البشر يلجأ لخياله ويسافر إلى القمر كي يبعثر جنونه وشغفه بالورق ، ويصبح حراً هائمًا بين قلمه وكلماته،
فالكتابة هي الداء والدواء وأعز الأصدقاء وألد الأعداء،وبما أنني كاتبة لن أكون وحدي عندما أجد قلمي معي يؤنس خلوتي في ليلي ونهاري، فما بين يقظتي وأحلامي بالمنام أعاني من اضطراب كلماتي على الدوام،قد أكتبُ مئات الصفحات وآلاف الكلمات التي قد لا ترضيني كقارئة ولا تشبعني ككاتبة ،وبسبب هذا كان عليَّ الكتابة كثيراً كي أرى عمق داخلي لأحظى بلذة المعنى الحقيقية للحياة، وأُشبع رغبات القلم الذي قد أقسم الله تعالى به عندما قال { ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} القلم حفظ كلمات الله عز وجل في القرآن وبه عرف البشر العدل والإحسان ،فسُطر لنا أنواع العلوم والتفكر بالمنثور والمنظوم،
لذا عندما تمتلك ثروة من العلم والمعرفة تدرّع بالكتابة لحفظها، وكا قيل إما أن تكتب شيئا يستحق القراءة أو تفعل شيئا يستحق الكتابة عنه،إذن أعتقد أن الكاتب الجيد من يجيد وضع مئات الكلمات بمصفاة ويخرج لنا بكلمات من ذهب فريدة من نوعها بارعة بالجمال حتى تُنير ذهن القارئ .
حين تبدأ تتعمق بالكتابة تحل عليك لعنة عشقها وتشغف حبًا بها ،حيث يميل لها الهوى والكلف ،ولا استقامة بهيام الكتابة ؛ لأن عقل الكاتب لا يكل ولا يمل من الكتابة ولا يظمأ من القراءة، فمن رحمِ الكتابة وُلد محمود درويش ، وغازي القصيبي ، وجبران خليل جبران ، وأنيس منصور والكثير من الكتاب العظماء الذين لا تحصيهم عدة سطور.
ربما لا تعلمون عن مدى حبي للكتابة وبعثرة ما بداخلي على الورق ،ولكن اعلموا أنها مملكتي الوحيدة التي أناضل من أجلها لأصبح حرة من قيود الجهل وبؤس الفراغ ،مؤمنة جداً بأن الكتابة هي مؤنستي وأُنسي وحاضري ومستقبلي الذي يكمن بأسره في روح قلمي.
بقلم:زينب حسن البحراني
التعليقات