"يا ولدي، الذّاكرةُ وعاءٌ مثقوبٌ على القلب، كلّما نزَفَت غَرِق القلب"

لم أكن أمارس أكثر من التباهي بقسوتي، وأحيانًا التظاهر بها وهو ما يكون على عكس ما أنا عليه تمامًا، على الأقل في لحظتها.

تجدني تارة أفيض بالمشاعر وأسكب منها في وعاء حيّزه أصغر بكثير، وتارة أختزلها في ابتسامة أو إيماءة.

صادفني مقطع فيديو لصديقتي التي لم ألتقي بها منذ خمس سنوات تقريبًا لابنتها حديثة الولادة التي تشبهها إلى حدٍ كبير، رأيت المقطع أكثر من مرة، ولم أستطيع التحكم في دموعي. تجمعت كلمات كثيرة تحمل كل معاني الحب على أعتاب عقلي في ثانيةٍ واحدة، وفي التي تليها تدافعت وسقطت جميعها، ولم يتبقى لي إلا قلب أحمر أرسله بدمعتين في عيني وحب بالغ في قلبي. المشاعر التي أختبرها وأوائل المرات تُجدد بداخلي شكل الدنيا، أمر مشابه لمهندس محترف يعيد هيكلة بيت قديم متهالك هجره أصحابه بلا رجعة.

وفي أوقات أخرى أشعر أن كل ما أشعر به يُثقلني، كل ما يدق باب القلب ببطء أو بعجلةٍ حتى لو كان شعورًا من تلك المشاعر التي توسع تجويفك البطني ليكون مهيئًا كفاية لتلقي حمامات السلام.

لا أقدر على التعامل مع كل الأشياء التي لها نهاية؛ لذا لن تجدني أمهر البشر في التعامل مع الدنيا، لا أتقبلها ولا تتقبلني. ولم أتغافل أنا يومًا عن حقيقتها القبيحة. ستجد أينما ذهبت أناسًا يبيعون الأمل ويروجون له بأردأ الطرق، وستجد على الجانب الآخر من يشتري بأبهظ الأثمان. وطالما لم تكن أنت، أو لم تجد حبيبًا لك في قلب هذه السّوق الغوغاء فارحل واترك خلفك الدنيا بجلبتها واضطرابها.

كانت ومازالت علاقة ما نشعر به بالدنيا أكثر الأشياء التي تؤرقني، يأتيك الفقد موجعًا قاسيًا، ويروضك فيما بعد على ألا تتعلق. ويأتيك الخذلان في صورة لن تقل قبحًا عن الفقد، ويروضك أيضًا على ألا تجعل الأمل غذائك الوحيد. لا تدري في الأصل ما إن كان تعودك على الشيء المعاكس لفطرتك أمرًا عاديًا، أم أنك تحتاج لطبيب.

وفي كل نهاية لن يكون عليك إلا أن تخلع قلبك وتحمله داخل قبضة يدك إلى أن يستدّ ويستقيم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات يُمنى سامي

تدوينات ذات صلة