الواقع الذي نعيشه في مدن التحضّر المفتقرة لأعظم قيم الأخلاق والضمير الإنساني

اربد - الأردن/ وسط البلد

١٥ شباط


استقليتُ احدى حافلات الأُجرى المتوجهة إلى وسط المدينة، جلستُ في المقعد الخلفي مُنفرداً على غير عادتي لطالما كُنت اصعدُ واقفاً بين الرُكّاب، لكن سعادتي لم تدوم، أثناء الرحلة سمعتُ صوتاً قادماً من الأمام

يقول:

يا شب، يا شب، قوم قعدلنا هالصبية

نهضتُ وغادرت الكُرسيّ كمن يُفارق محبوبتهُ حيثُ الجلوس على كُرسيّ في هذه الرحلة يُعادل الفوز بورقة يانصيب.


على قنوات الراديو تسرقنا أنغام فيروز وتطفو بنا على صوتها الغلّاب بأُغنيتها

"نسّم علينا الهوى"


فجأةً يغتالُ صوتها الحانيّ مُذيعٌ اعتاد الظهور على هذه الفقرة الصباحية صوته اشبه بصوت دريل يحفُر داخل رؤوسنا يبدأ بتوزيع التحيّات على أصحاب السموّ والمقامات والرُتب يُنهي حديثه بأغانٍ واهازيج وطنية تشعر وأنَّ بريطانيا وقعت تحت استعمارنا، يُقاطعهُ اتصال هاتفيّ لرجلٍ ضعيف العقل، بسيطُ الفكر، يشكوه قِلة حيلهِ وضعفه وعدم قدرتهِ على تأمين دفع إيجار منزله ثُمَّ أضاف يقول ويبكي بحرارةٍ ؛

"واللهِ ما معي اطعمي ولادي"

خيَّم السكوت على جميع الرُكاب و وجوههم تُعبّر عن اندفاعٍ عاطفيٍ تجاه المُتصّل لكن ما باليد حيلة فأين يفرّّ الفُقراء وسِهام الجوع موجّهة نحوهم


وقفت الحافلة على إشارة الإسكان غرب جامعة اليرموك قبل الوصول إلى المحطة الأخيرة لمسارها، على الناحية المُقابلة للنافذة تظهر يافطة مُعلّقة على إحدى المحالِ للمأكولات الشعبية كُتِب عليها ؛


"عرض خاص وجبة شاورما عربي بس بدينار"


نظر سائق الحافلة إلينا مُشيراً اصبعه إلى تلك اليافطة ويقول :

- "شايفين يا جماعة الخير ما ضل من العروبة غير هاي الشاورما"


وسط ضحكٍ هستيريّ لجميع الرُكّاب حتى قاطعهُ رجُل مُسن مع ابتسامة حزينة وقال :

- "والله يا عمي ما في ارخص من اللحم العربي"


في هذه الحافلة لم يكن منّا أحداً من أبناء الطبقة المخملية أو البُرجوازية، فالجلوس مع أُناس من ذوات الطبقة الكادحة يُعتبر مُنافٍ للأخلاق وجريمة بالنسبة لهم تحت مُسمى "الإيتيكيت".

ما كان يجمعُنا في الحافلة هو الكثير من الأحلام والكثير من خيبات الأمل والكثير من الوعود المُزيّفة وفي النهاية كُل شيءٍ يتبخر


نخرجُ واحداً تلو الآخر من الحافلة وتبقى رائحتنا مُعلّقة داخلها .. لكنّها رائحة غريبة غير مألوفة .. تبدو نتِنة وكريهة

يا إلهي ..

إنها رائحة الفُقر

Yazeed Elmughrabe

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Yazeed Elmughrabe

تدوينات ذات صلة