5 سنوات في الجامعة لا ينبغي أبدا أن تضيع دون تجارب، لعل أهم التجارب تكمن في الخروج من مثلث برمودا كما نسميه في الجزائر "الغرفة، المطعم، القسم"
عند نجاحي وانتقالي لمرحلة الدراسة الجامعية، وضعت عدد من المعايير التي من خلالها اخترت التخصص المناسب، بحثت عن التخصصات ومجالات تدريسها وتعريفاتها حتى احدد ميولاتي، ثم عن اكثر تخصص مريح، لا يأخذ مني عمرًا كاملا ولا يتطلب كل الوقت والجهد، وأخيرًا عن مؤسسة تدريس التخصص، ترتيبها، مستوى التحصيل العلمي فيها، تطورها و رقمنتها...إلخ، تحديدي لهذه المعايير مكنني من اختيار تخصص يتناسب وميولاتي الدراسية، غير مكتظ البرامج مما سمح لي بممارسة أنشطة موازية وأعمالا حرة، وبناء عالم خاص على التوازي مع تحصيل الشهادة وليس بعده.
اخترت تخصص هندسة تثمين الموارد المعدنية، (Mineralogy)، هذا التخصص غير متاح في كل جامعات الوطن، فقط في 3 منها، يقصده الطلبة الأجانب أصحاب المنح الدراسية بكثرة، تكمن مدى أهميته في دراسة قطاع جدا حساس من بين قطاعات الاقتصاد، في النهاية يُبنى عليه أساس الاقتصاد في كل دولة نامية ثرية بالموارد الباطنية والطاقوية، برزت روسيا والصين في هذا القطاع وطوّرت منه وخصصت له ميزانيات ضخمة، مما أنعش اقتصادياتها وجعل منهما قطبا اقتصاديا مهما.
لا أنكر أني كنت خائفة من ذلك اليوم الأول لي في هذه التجربة الجديدة، رسمت ألف سيناريو للمشهد المنتظر، لكن في النهاية كان جد بسيط، ككل دخول دراسي، مع وجوه جديدة وأساتذة من نوع آخر.
وعلى ذكر الوجوه الجديدة، تمتاز الصداقات الجامعية عندنا في الجزائر بصفات غريبة، كأن تتخذ ممن يشاركك طبق المطعم الرديء صديقا، أو من يسرق معك فراشا من غرفة مجاورة، أو من يرسل لك ملخصا لدرس تغيبت عنه (وما أكثرها)...، وتنتهي عندما يمتنع ذاك الصديق عن مرافقتك للأستاذ طالبا منه علامة إضافية، أو إذا "طلّع العام وخلاك"،5 سنوات في الجامعة لا ينبغي أبدا أن تضيع دون تجارب، لعل أهم التجارب تكمن في الخروج من مثلث برمودا كما نسميه في الجزائر "الغرفة، المطعم، القسم"، يعني أن تكتشف الجامعة، أن تشارك في نوادي الرياضة، في نقابات الطلبة، اذهب في رحلة مع اصدقائك، اكتسب مهارة او حرفة جانبية، اعمل واجمع الأموال، اكتشف مدينتك الجامعية، أما أهم تجربة على الإطلاق، لا بد ان تخوضها وتتعلم درسها، أن تحافظ على " مصروفك" أطول مدة ممكنة.
ربما لو قررت إعادة الاختيار لتخصص ثانٍ سأختار تخصص الحقوق، وربما علم الاجتماع، لا أدري لم لكن أحيانا أشعر أنني يجب أن أكون محامية، لا بد أن أتدخل في شؤون المظلومين وانصرهم حتى إن لم يوكّلوني، أو أتدخل فأفهم تركيبهم وهندستهم الاجتماعية وكيف يفكرون، المهم أن أتدخل، ربما ميولاتي السياسية ستتيح لي فرصة تعلم علم الاجتماع السياسي، وربما قد أتخلى عن الكل في سبيل تحقيق حلم الدكتوراه في تخصصي الأول.
ومهما كان تخصص الأكاديمي، شهادتك هي ارتقاء في سلّم النجاحات والتحصيلات، وليست أبدا مفتاح عملك، يعني لا تضع كل آمالك الوظيفية في تحصيل الشهادة، أنا مثلا درست تخصصا، وأعيد آخر، وتكوّنت مهنيّا في ثالث، وأعمل برابع.
لا تكتفِ فقط بشهادتك فتكون قارب النجاة الوحيد إن غرق غرقت، وزّع بيضك في عدّة سلاّت، كان هذا الدرس من أخت لي شاركتني هموم مرحلة ما، وحملت معي ما حملت معها، لم ولن انسها، كانت المناضلة ليندة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات