"إن الهدف من التعليم هو الإبداع فإن غاب هذا الهدف فالناتج كمي وليس نوعي"
انتهت امتحانات الجامعة وظهرت النتيجة في معظم السنوات بعد عام مليء بمختلف أنواع طرق التدريس. والحصيلة الاجمالية هو نجاح معظم الطلاب بغض النظر عن التقديرات امتياز أم مقبول. ولكن هناك عدة تساؤلات التي تطرح نفسها بعد انتهاء كل عام دراسي وهي:
- ماذا استفاد الطالب من العام الدراسي بجانب المعلومات التي استفاد منها وقد ينساها بعد ذلك أن لم يتدرب عليها باستمرار؟
- ماهي المهارات التي اكتسبها الطالب خارج نطاق الدراسة والمتعلقة بالتفكير والابداع؟
- هل استطاع الطالب أن يربط ما تعلمه من معلومات مع الحياة على وجه العموم وفي تخصصه على وجه الخصوص حيث أن ذلك هو الغرض الرئيسي من الدراسة الجامعية؟
- هل قام طالب الهندسة بزيارة مصنع، وطالب الزراعة بزيارة صوبة أو مزرعة أو حقل أو مصنع، وطالب طب وأسنان مستشفيي أو مستوصف، وطالب صيدلة مصنع ادوية، وطالب علوم مركز بحتي أو معمل بيولوجي أو كيميائي أو فيزيائي أو معلوماتي.
وبالطبع ينطبق نفس السؤال على طلاب باقي الكليات كل في تخصصه سواء في محكمة أو مجلة أو جريدة أو راديو أو تلفزيون أو شركة أو غيره من التخصصات. أتصور أن الإجابة على هذه التساؤلات سوف تتراوح من النفي إلى الايجاب وبدرجات متفاوتة.
ومن المعروف أن فترة الامتحانات الجامعية وما قبلها من اعدادات وكنترونات وما بعدها من تصحيح وأمور متعلقة تستهلك أكثر من ٣٠٪ من وقت الطلاب والأساتذة والموظفين. وبالطبع يؤثر ذلك تأثيرا سلبيا ليس فقط على كم المعلومات ولكن الأهم على ابداع الطالب وذلك بسبب حرص الأستاذ علي انهاء المقرر من ناحية، ومن ناحية أخري حرص الطالب علي الإلمام بمحتوي المقررات ونظام الأسئلة ليس إلا. ولذلك فان كلا من الطالب والأستاذ يسابقا الزمن لإنهاء ما يمكن انهاءه خاصة في وجود العديد من الاجازات الرسمية التي تلتهم العام الدراسي التهاما. وما يزيد الأمر تعقيدا عدم وجود يوم أنشطة خارجية للطالب لا تلقي فيه أي محاضرات من المقرر ولكن فقط ندوات عامة من قامات خارجية تحرك فكر الطلاب وتؤصل فيهم الإبداع.
وبناء على هذا الواقع الذي يشتكي منه ليل نهار الأستاذ قبل الطالب، اقترح تقليص الإجازة الصيفية (آخر العام) إلى اسبوعين فقط والشتوية نصف العام (إلى أسبوع فقط). وفي نفس الوقت جعل الامتحانات اونلاين في وقت لا يزيد عن اسبوعين والامتحانات العملية طوال العام أولا بأول. كما يجب اختزال وقت الامتحانات والكنترولات بأي وسيلة. فلا يعقل أن نكون وسط كل هذه التكنولوجيا الهائلة والغير مكلف والتي يعلمها الأطفال قبل الكبار ولا نستخدمها في اختزال الوقت والمجهود في نظام الكنترولات والامتحانات التقليدية الذي مازال يهيمن علي العملية الامتحانية الجامعية. و لو تحولت العملية التعليمية من الكم إلي الكيف فسوف يصبح من السهولة تغير طريقة الامتحانات والكنترولات واختزالها تماما.
إن الهدف من التعليم هو الإبداع فإن غاب هذا الهدف فالناتج كمي وليس نوعي. أري أنه لا بد من اعادة النظر في تمكين الابداع عند طلاب الجامعة أيًا كانت الطريقة سواء زيادة مدة الدراسة على حساب الامتحانات أو تقليل محتوي المحاضرات أي وسيلة أخري يراها أهل الاختصاص. المهم تحقيق الهدف من التعليم وهو تعلم التنافسية والمهنية والاتقان والإبداع. وبمقارنة التعليم في الماضي والحاضر أري أن الكم في الماضي كان بسيطا والابداع متأصلًا في حدود ما كان موجودا من امكانات. والعكس تماما حاليا بالرغم من عظم الإمكانات المتاحة. وعليه لا بد من تقليل الكم وزيادة الابداع خاصة في وجود كل هذه المصادر المعلوماتية المتاحة مجانا للجميع بعيدا عن اسوار الجامعات.
أنا أدرك تماما ان الإجازة الصيفية مهمة لبعض الطلاب الذين يعملون فيها لتوفير بعض احتياجاتهم وكلنا كنا نفعل ذلك ونحن صغار، ولكن كان الكم التعليمي غير الكم وكانت المدرسة هي الوسيلة الوحيدة للتعليم والحصول على المعلومات وبجانبها المكتبات العامة لما استطاع عليها سبيلا. أما الآن فالكم كبير جدا رغم اتاحة المعلومة مجانا. من الممكن تكون الاجازة الصيفية وقتا للتعليم عن بعد أو الهجين أو الالكتروني لإتاحة الفرصة لمان يريد ان يعمل من الطلاب في الاجازة.
نحن في عصر يولد فيه الأطفال متعلمون ومبدعون ولذلك فلابد من التعليم الا يختزل ما ولد به ويحوله إلى مجرد كم هائل من المعلومات التي لا يدري الخريج كيف يتعامل معها أو يستخدمها في مهنته أو عموما في الحياة. ولذلك لابد من تقليص الكم بنسبة لا تقل عن 25% لإتاحة الفرصة للطلاب أخذ النفس لممارسة الابداع في الفن والأدب والبحث العلمي والكتابة وغيرها من الأنشطة المهمة لإسعاد القلب قبل العقل. لو سألنا الطلاب عن تقليص الكم لفرحوا به ولو سألت أعضاء الأساتذة انفسهم لفرحوا أيضا به. ولست أدرى السبب وراء كل هذا الكم وكل هذا التكديس في المعلومات. ما نعيشه من عصر معلومات يحتم علينا أن تكون اسوار الجامعة لتعليم المبادئ والنظريات العلمية لإتاحة الفرصة للطالب للتفكير والابداع علي أن يقوم هو بالحصول علي المعلومة من مصادرها.
ما نحتاجه اليه من التعليم الجامعي هو تأصيل الابداع والبعد عن التعليم الكمي المضاد للإبداع.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات