الفلسفة والدهشة الغائبة في زمننا الحاضر, هنا تذكير مارق للفلسفة حولنا





سواء اعترفنا بذلك أم لا ، أو لاحظنا ذلك أم لا ، تذوقنا الجمال أو تأملنا في الحياة و الروح، سواء تساءلنا عن مكامن جمال قصيدة لنزار قباني أو عن الأحاسيس التي تجتاحنا عند رؤية لوحة مساكن الرغبة لسلفادور دالي، سواء حاولنا الإجابة عن كيف ولماذا تشكلت كل هذه الثروة الفنية والثقافية،الإجابة سواء آمنت بها أم كفرت، الفلسفة حولنا وقبل ذلك داخلنا!

لن أُعرف الفلسفة التعريف المعتاد وهو حب الحكمة أو المعرفة من أجل المعرفة؛ بل الفلسفة هي فن تشكيل، وابتكار، وصنع المفاهيم، هي الأساليب التي استخدمها البشر لحل مشكلات ومعضلات الحضارة،

محاولة للتعبير عن الإنسانية و ثورتها ،وآلامها ،وأخلاقها.


هل هناك حد فاصل بين الأدب والفلسفة ؟


الصراع بين الأدب والفلسفة صراع قديم يرى أفلاطون أن الشعر وهم وثورة على الأخلاق؛ وإن كان الأدب صورة من صور تعبير الإنسان عن أفكاره بالنثر والشعر والقصة والمسرحية .. إلى آخره. فالفلسفة هنا تعبير عن أحلك الأفكار التي تتراقص في ذهنه ( الوجود ،المعرفة، الأخلاق)


فما المانع من استخدام قالب الأدب للتعبير عن قضايا الإنسانية العويصة؟

الأدب أقرب للروح والوجدان من الأسلوب العلمي الصرف ،وقد تنبه لذلك نيشته _ فيلسوف ألماني _ فقد عرض فلسفته في قالب روائي في روايته ( هكذا تكلم زرادشت) ، وغيره من ضمّنوا أعمالهم الأدبية فلسفاتهم كدستوفيسكي في رواية ( الجريمة والعقاب) ،وباولو كويلو في روايته ( مئة عام من العزلة ).ومن الأدباء العرب والمسلمين أمثلة عديدة كالجاحظ في عرضِه لأفكار المعتزلة ،وأبو العلاء المعري، والمتنبي، وجبران خليل جبران في كتابه (الأجنحة المتكسرة),مثل هذه الأعمال الأدبية أشعلت في ذهن القارئ أعظم المعضلات الفلسفية والأخلاقية، ففي رواية الجريمة والعقاب يضعك دستويفسكي في موقف أخلاقي محير، بين العدالة بمعناها الكلاسيكي ،أم عدالة من نوع آخر؛ من وجهة نظري لو كُتبت الآلاف من المجلدات العلمية لن يكن وقعها أعظم على الروح من القالب الذي اختاره دوستويفسكي.

يستحوي الأدب من الفلسفة مواضيعه وأسلوبه في العرض؛فالحركة الرومانتيكية بقيادة جان جاك روسو جاءت معلنة الثورة على الكلاسيكية والعقلانية والاهتمام بالتقدم العلمي والصناعي والتي بالمقابل أُهملت فيها الذات البشرية، وامتد ذلك إلى الأدب، ففي الغرب من أعلامها فيكتور هوجو وقائمة طويلة من الأدباء.في المنطقة العربية تمثل ذلك في مدرسة ( الديوان ) لعباس محمود العقاد، ومدرسة ( أبولو) لإبراهيم ناجي، من خلال الرومانتيكية ظهر الشعر الحر معلناً بذلك تمرده على القافية.






مَن أنت يا مَن روحُها اقتربت مني وخاطب دمعُها روحي؟ صبَّته في كأسي! وما سكبتْ فيه سوى أنَّات مذبوحِ. -إبراهيم ناجي



وفي قفزة إلى عالم اللاشعور والأحلام تسمح لك السريالية بقيادة أندريه بريتون بالترحال من الواقع الى الخيال والفوضى، جاءت السريالية بعد ويلات الحرب العالمية الأولى على الإنسان الأوروبي، فأخذ يبحث عن قيم فكرية جديدة تساعده على خلق تصور جديد للعالم ، ومن هنا كان الأدب السيريالي الثوري فلا العالم هو العالم الذي نعرفه بأنظمته وشكله لديهم ،كل شيء فوق الواقعي!






الفلسفات التي تعتنقها ستنعكس على أدبك بشكل أو بآخر، وتتطور منه وتخلق روح جديدة له، وقد تكون الثورة الأدبية نتاج فلسفات حداثية.



ولا أنا معقول.. من صفات الحب.. أن يحطم العادي ، والمألوف ، والمعقول؟ هل من شروط الحب .. أن نجهل ، يا حبيبتي ، أسماءنا؟ هل من شروط الحب ، يا حبيبتي؟ أن لا نرى أمامنا.. ولا نرى وراءنا.. هل من شروط الحب ، يا حبيبتي؟ بأن أسمى قاتلاً حين أنا المقتول؟ -قصيدة سريالية لنزار قباني





لماذا يبدو منظر السماء جميلاً؟


إذا استطعت الإجابة على هذا السؤال، فلقد أجبت عن أول تساؤل يخطر على الذهن فيما يتعلق بالعلاقة بين الفن والفلسفة، كيف يحكم الإنسان أن هذه اللوحة جميلة؟

طور الفلاسفة نظريات عديدة حول علاقة الإنسان بالفن والجمال، منهم من أنكر هذه العلاقة، ومنهم من ربط بينهما، يقول دانتو أن السؤال:مالفرق بين لوحة( متجول فوق بحر من ضباب) في المتحف ولوحة عادية في السوبر ماركت؟ سؤالاً فلسفياً، ماذا يعد فناً؟ هذا السؤال يدفعنا للتفسلف!

هل الجميل ما يجلب اللذة؟ أم ماهو مرتبط بالخير والأخلاق؟ أم رياضياً كما قال فيتاغورس؟

لا أحد يعرف ما الفن، ولكنه ساعد الفلاسفة على التفلسف وأشعل أذهانهم على اختلاف مذاهبهم، يبقى الفن مستعصي عن التعريف مثله مثل الحياة!







لو عرفت ما الفن، فلن أخبر أحداً بذلك، سأحتفظ به لنفسي. بيكاسو




الشعور بالدهشة والإعجاب هي المشاعر الإنسانية الأصيلة، التي مازالت في انحسار، كل شيء أصبح اعتيادياً ،وتحليلاً، وآلياً،وتبقى أسئلة الوجود العظمى مهملة ومهمشة.. الله، الحب ، الجمال، المسؤولية، الموت.. الفلسفة تعيد لك طفولتك الأولى، تعيد لك إنسانيتك المسروقة من داومة الاعتياد!




هيا

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هيا

تدوينات ذات صلة