قد قالوا لك من قبل، أنك مخيّر في حياتك دوماً بين خيارين، أحدهما فيه الخير كله، والآخر فيه الشر كله، يا ترى الى أي مدى هذه الفكرة دقيقة؟
قرارك أم قدرك؟
قد قالوا لك من قبل، أنك مخيّر في حياتك دوماً بين خيارين، أحدهما فيه الخير كله، والآخر فيه الشر كله، أحدهما صحيح، والآخر خاطئ، أحدهما سيوصلك لأفضل نتيجة ممكنة، والآخر سيوصلك لأسوأ نتيجة ممكنة، يا ترى الى أي مدى هذه الفكرة دقيقة؟
إنّ من أكبر النعم التي ميز الله بها البشر، هي نعمة التخيير، فخيّرهم حتى في دينهم، وطرق رزقهم وعملهم، وبين الرفض والتقبل، وبين أخذ الأسباب والجلوس عنها، وبين العلم والجهل، وبين التوكل والتواكل، وبين نيّة الخير ونيّة الشر .
ويمر بنو آدم في حياتهم على عدة منعطفات، دراسيّ واجتماعيّ ومهنيّ وزواجيّ، فيختار الانسان ما يظنه يحمل له كل الخير، وراحة البال والسعادة، فتمر الأيام ولا يجد السعادة التي كان يطمح لها، ووجد الشقاء والتعب حتى لو كان قلبه وعقله يميلان لاختياره، فيقلق ويتوتر وينزع لباس الطمأنينة، ويعزو حالته الى (سوء الاختيار)، ويعاني من تأنيب الضمير واللوم، فلا يسامح نفسه على اختياره ولا نتائج هذا الاختيار، وإن كانت هذه النتائج هي بعض المشكلات اليومية الاعتيادية والتحديات التي تلازم رحلة الحياة من أولها لآخرها.
في الحقيقة لا يوجد خير مطلق ولا شر مطلق في أي قرار قد تتخذه، ولكن الحكمة تكمن في أن تختر قرارك بما يوافق مبادئك، وبما تتحمله ظروفك، وبما يتكامل مع أحلامك، وبما تؤمن فيه من قيم عليا، فكان من الجهل وقلة الحيلة أن تأخذ قرارا لأنه فقط بدى لك "صحيحا" ظاهريا، حيث أنك في كل مراحل حياتك تفتقر إلى رؤية الصورة الكاملة، فلا تعرف الصحيح ولا الخطأ ، ولا تعرف أين يكمن الخير وأين يكمن الشر بالضبط، بينما من الحكمة أن تعرف ما يوافق قيمك ومبادئك وطموحك، فتسعى إليه بكل قلبك وعقلك، متحملا نتائج هذا القرار بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، إذا لا يوجد خير مطلق، ولا شر مطلق ، بل يوجد قرار تتحمل تبعاته وأعباءه، وترى بوضوح الضريبة التي ستدفعها اذا قررت هذا القرار، وعلى الرغم من هذا تذهب إليه، لأنك ترى أنه يوافق دواخلك وأفكارك وقيمك العليا وأولوياتك الحالية.
وهذه ليست دعوة للخوف من اتخاذ القرارات، وإنما هي مجرد تنوير بسيط لواقعية اتخاذ القرار، فالقرار مهما كان صغيرة أو كبيرا، يؤثر على مجريات حياتك القادمة كلها، فكيف يمكن أن تتحمل هذا الأثر إن لم تدرك الحقيقة؟ وكيف تنعم بايجابيات قرارك إن لم تدرك من قبل سلبياته؟ وكيف تكون ممتنا وراضيا إذا مضيت في طريق لا يشبهك؟
هناك قدر مكتوب ليس لك يد فيه، مثل أن تولد في بلد معينة، وبلون بشرة معين، وبطول معين، وبأطباع هي جزء من تكوينك الشخصي، ولكن هناك قدر آخر أنت مخير فيه بالضبط كما أنت مخيّر في دينك وايمانك وعقيدتك، مخير في إلى أي مدى تجعل حياتك الخارجية تتوافق مع حياتك الداخلية، هناك في أعماقك التي لا يصلها أي بشر، فيما تريد وتتمنى وتتطمح، حتى في المشاعر التي تحلم في أن تعيشها، هي كلها مسؤوليتك، فابدأ من الآن بتحمل مسؤولية قرارتك بحكمة وهدوء، واعلم أن القرار الذي تتخذه بدافع الخوف، سيبعدك عن ذاتك وحقيقتك، وسيختبر أقصى مراحل صبرك، وسيعود على شكل اختبار أصعب وأشد.
فأنت في كل يوم في اختبار، اختبار صدقك مع الله، ثم صدقك مع ذاتك، فإذا فشلت يوما في اختبار ما، تذكر ان حياتك لم تنتهي، وأن المزيد من الاختبارات ستظهر لك، فلا تجزع، واطلب من الخالق أن يريك الحق حقا والباطل باطلا، وأن يرزقك الحكمة الكافية للتفريق بينهما.
أما بالنسبة للأقدار التي ليس لنا فيها حيلة ولا اختيار، فيكون اختبارنا فيها إما أن نختار التقبل والسلام والإيمان، أو الرفض والكفر، وهذا من أعظم ما يمكن أن يصيب ابن آدم، فتراه يتأرجح بين تقبله ورفضه لواقعه، أو لشكل جسده، أو لحالته الاجتماعية، أو لمرض أصيب فيه، أو حتى غروره بما يملك من جاه وجمال ومال، فكل ما منحنا إياه الله تعالى يضعنا في اختبار حقيقي كل يوم، وبناءا على هذه الاختبارات نجد أنفسنا أمام قرارات متنوعة، فتعود الدائرة نفسها من الفشل والابتعاد عن الصدق اذا لم نفهم اولوياتنا وقيمنا، فابحث عن الحكمة لتجدك، وتذكر دوما : "عجبا لأمر المؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له"، فاختر الصبر والشكر دوما، لتكن من الفائزين.
ويبقى خير دعاء عند أي قرار صعب "اللهم اختر لي ولا تخيرني فإني لا أحسن الاختيار".
أتمنى لكم قرارات مريحة تشبه أرواحكم.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات