يبدو أن شعور السعادة يؤرق الكثيرين، ويبحثون عنه بلهفة وترقب وخوف، وعندما يعثرون عليه يتشبثون به قلقا من فقدانه، أو ربما خوفا من أن يفقدون إيمانهم به

تأملت كثيرا في السعادة، هل هي في الضحكات والأمل؟ هل هي في الرضى والقبول؟ هل يمكن أن أكون في قمة حزني ومع ذلك أستشعر قليلا من السعادة في قلبي ؟ وكيف يمكن أن أعيش هذه التناقضات دون أن أعتقد أنني إنسانة غريبة الأطوار .. وكيف يمكن أن أقبل نفسي بكل حالاتها الشعورية، سعيدة أو غير سعيدة، في هذه اللحظة، أسمح للشعور الحالي أن يكون .. ببساطة .. كما يريد أن يكون ..

يبدو أن شعور السعادة يؤرق الكثيرين، ويبحثون عنه بلهفة وترقب وخوف، وعندما يعثرون عليه يتشبثون به قلقا من فقدانه، أو ربما خوفا من أن يفقدوا إيمانهم به، فبالتالي يحرموا أنفسهم من أن يعيشوه بصدق وصفاء، لأن القلق (ينكد عليهم عيشتهم بصراحة ).

أستطيع القول أنني سعيدة من كل قلبي، وأقولها بملئ فمي، وأعلم أنه من الغريب أن نسمع أحدا يردد (أنا سعيد) ! بل ويشكك المقربون مني أنني أتوهم سعادتي وأصنعها وأخلقها من لاشيء، أو ربما أنظر لكل شيء بطريقة وردية وخيالية حتى أكون سعيدة، ولكنني سعيدة ومطمئنة لدرجة أنني ليس لدي الرغبة في شرح نفسي والتبرير لهم، أكتفي بدعاء صادق أن يشعروا بالسعادة أكثر مني ..

بنفس الوقت أخاف من فقدان شرط سعادتي الوحيد، هو إيماني بالله، هذا ما يرعبني ويخيفني حقا، وأشعر أنه أعظم ابتلاء قد يصيبني يوما ما، أن أصبح فعلا سعيدة ومطمئنة بعيدة عنه ! أن أنساه وينساني، أن أغرق في الدنيا ناسية لقاءه، في هذا الموقف لن أفقد سعادتي الحقيقة فحسب، بل سأفقد نفسي، سأفقد روحي، سأفقد كل ما أعيش لأجله، في دنياي وآخرتي ..

لو فكرنا في التعاسة واليأس، لعلمنا أنها مرتبطة بأمور دنيوية بحته، مثل النظرة المادية للنجاح والفشل، والزواج والطلاق، والانجاب والعمل، والعلاقات والعائلة، لن تجد التتعاسة ترتبط يوما بالسلام والأمان والإيمان، لن تجد اليأس في تحقيق العبودية والعيش كإنسان يعرف هدفه والمعنى من وجوده، بل ستجد اليأس والقنوط مرتبط بشهوات النفس والبعد عن الآخرة، والرغبة في تضخيم (الأنا) ورفعها عاليا في السلم الدنيوي والمادي، (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)

اذا نظرنا للسعادة من باب القيم، سنجد منظورا مختلفا، فمن قيمته العليا هي المال، لن يجد السعادة بدونه، بل وستكون سعادته مشروطة بوجودة، ومن قيمه في علاقاته، فمن الصعب أن يكون وحيدا، بل ويحكم على نفسه بالفشل إذا كان وحيدا، لأنه بكل بساطة غير سعيد !! ومن كانت قيمته العمل، فلن يكون سعيدا اذا جلس في بيته آمنا مستقرا، بل سيلوم نفسه على كل لحظة لم يقضيها في عمله، ومن كانت قيمته العليا هو الايمان بالله، فسيكون سعيدا مطمئنا دوما، طالما أنه يستشعر إيمانه ويرى أثره ويعمل له في كل لحظة.

وشتان بين السعادة المحفوفة بالخطر والخوف والترقب، والسعادة المليئة بالرضا والتسليم والقبول والعبودية ..

ولأن الايمان يزيد وينقص، ستزيد السعادة وستنقص، ولكن لا بأس في هذا ! لأن هدفنا ليس شعور السعادة، ولا البقاء سعداء دوما، (لأن هذا في الجنة فقط) ، ولكنني أرى أن السعادة هي نتيجة شعورية لكل ما اؤمن به، وأفكر به، وأفعله .. تجاه قيمتي العليا.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء الصمادي

تدوينات ذات صلة