أَيُفزِعُني ذاكَ التطبيقُ الأزرق بمجردِ تصفُحِه ؟!
يا له من موقعٍ إخباريٍّ نَشِط ينشُرُ الأخبارَ والأقاويلَ عَنِ الأقاربِ والأصدقاءِ وعَنِ السياساتِ والدولِ والحُروبِ أولًا بأول،
يزودنا بالوصفات الشهية ويعلمنا كثيرًا من الأشياء ويلخِّصُ لنا الكُتُبَ والروايات، نحفظُ منه العديدَ من الإقتباساتِ الجميلة ونتسمَّرُ أمامَ أبياتِ الشعرالمجازيةِ التي تُكتبُ في منشوراتِهِ.
لكن بدأَ الناسُ يتململونَ منه شيئًا فشيئًا، لذا قررَ تغييرَ وظيفتِهِ العظيمة لوظيفةٍ أعظم ليصبحَ صفحةً رئيسيةً من صفحاتِ الوفيات متعاقِدًا مع صحيفة مشهورة تَبثُّ له أخبارُ الوفياتِ أولًا بأول ولحظةً بلحظة لِأناسٍ نعرِفهم وناسٍ لا نعرِفهم من مختلفِ أنحاء الدولِ والمحافظات، أطفالًا، شيوخًا، رجالًا ونساءً، مرضى وأصحاء، مشاهيرًا ومخرجين!
أصبحَ الفزعُ من تصفُّحِ ذاكَ التطبيق الأزرق موقع التواصل الإجتماعي المعروف ب (الفيس بوك) رفيقًا لنا، فلا ندري خَبرُ من سنقرأ بمجرد النقر عليه والدخول إليه، هل سيكونُ قريبًا، صاحِبًا أم حبيبًا؟!
"عظَّمَ اللهُ أجركم"، "شكرَ اللهُ سعيكم" هذِهِ الجمل الفذة التي بِتميزها صارت تظهَرُ على لوحة المفاتيح وحدها بمجرد النقر على زر التعليق عند التحدث مع صديق، بدلًا من السلامِ والكلام والسؤالِ عن الحالِ والأحوال!
غيَّمَ الحزنُ في سمائِنا وصارت تهطلُ كلَّ يومٍ أمطارٌ ودموع من تلك الغيوم الحزينة، باتَ الفرحُ عابِرًا يجيءُ ويذهب من حينٍ إلى حين للحظاتٍ وجيزة لا نكادُ ندرِكُها، وأصبحت الضحكاتُ تُرسَمُ على الوجوهِ بِأقلامٍ رصاصيَّةٍ باهِتة وما إن يظهرُ منشورٌ جديد في ذاك التطبيقُ الأزرق إلا وتُمحى الضحكات الرصاصيّة الباهِتة.
نُطقُ الكلماتِ صارَ صعبًا، والمواساةُ أصعبُ وأصعب. ماذا عساي أن أقول للفاقِد وبماذا أُعزيه؟!
لا يجدُ الفاقِدُ من يُربِت على كتفه ويكفكف دموعه، يعانقه ويواسيه. لا يجد سوى بعض من التعليقات والرسائل المصحوبة بالدعاء للفاقِدِ والفقيد وكلها على ذلك التطبيق!
يبتلعُ الفاقِدُ حزنه لوحده وكأنَّهُ جرعةُ دواءٍ مُرَّةُ المذاقِ يحاول تقبُلَها بصعوبةٍ كَطفلٍ في الثالِثَةِ من عُمُره، تجري في جوفِهِ رُغمًا عنه ودُموعه تسيلُ مُنهَمِرةً من الجانبينِ كشلالٍ ماؤهُ حارٌّ شديدُ الملوحة.لكن ما يهوِّنُ علينا أنَّ الموتَ حق وهذا قدرُ اللهِ في عبادِهِ وسُنَّتُهُ في مخلوقاتِه، فهو آتٍ لا محالة.
جلَّ اللهُ في علاه بعثَ فينا الاطمئنان حينَ ذكرَ الحياةَ بعدَ الموت، فما نحنُ إلّا في محطَةِ عُبورٍ نسلُكَها بصعوبةٍ بالِغة فَطريقُها وَعِرة مليئة بالثغراتِ والعَثرات، بالمصائِبِ والأحزان، بالحُفَرِ والمطبات، هكذا نحنُ بنو الإنسانِ خلقنا اللهُ في كَبَدْ؛ لِنرقُدَ بعدها في سلامٍ ونخلُدَ في تِلكَ التي تسمى الحياة والتي يتخلَّلُها معنى الحياة والتي سنعيشُ فيها حياةً كالحياة...
بِقلمٍ لا يبالي الموت ويتَتوق للحياة...
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
أصبت شيماء فعلافي الاونة الاخيرة اصبح الفيسبوك صفحة وفيات