دعوة للأخذ بالأسلوب العلمي في الحُصول على المعلومة.. والتوقف عن نشر العلم الزائف.



عَلّمُونا عَلى مَقاعد الدِراسة أنَّ الحقِيقة العِلمية تحتاجُ إلى الأدلّة والبَراهين لِتُثبِتَ صِحتها أمامَ كُل الافتراضات المرصوصة بينَ سُطور الكُتب، وَعلّمُونا كذلك كَم دَورةً لعقاربِ الساعةِ يلزمُ مِن الباحثِ أن يعُدَّها وهُو يُشكّل حُروفَ هذه الحقيقة العِلمية حرفًا حرفًا.


عَرفتُ ذلك مِن أُستاذنا الدكتور وَهو يَمُد حَرف الياء حينَ يقول: (إن هذا يستغرِقُ وَقتًا طويلا من البحث والتجرِبة) ثُمَّ يتبعُ ذلك بابتسامةٍ خجُولةٍ فيذكر لنَا إحدى دراساتِه التي نشرهَا في مجلةٍ علميةٍ مرموقة ويروي تفاصيلَ رحلته الشيِّقة الشَّاقة حتى يطلُعَ علينا يومها ويقولَ بملء فمِه (أثبَتت دراسَة أن …)، الدِّراسة التي نَحَتَ فيها بصخرِ الاحتمالات والحُلول لِيخلُصَ إلى نتيجتِه هذه، تمامًا كما نحتَت الأيَّامُ خُطوطَ العُمر في قَسَمات وجههِ تحكِي حكاية البحث والعِلم الحقيقِي.


اليَوم ومَع عصر السرعة أصبحنَا نقرأ فِي صَفحاتِ الإنترنت عِبارة (أثبتت دِرَاسَة) مَتبوعةً بكُل أشكال العُلوم والمعرفة، فنقرأ مثلًا أن (الدرَاسات أثبتت أن تناول القرفَة مع الزنجبيل يؤدي إلى تكوين مادّة سامَّة في الجسم!) وَفي نطاقِ تحليل الشخصيّات لم يخلُ الأمر من التَضليل باسم العِلم حيثُ (أثبتت دراسة أن أصحاب العيون العَسلية هُم أشخاص أقوياء يَعتَمدون على أنفُسهم!) تَجِد أيضًا (أثبَتت دِرَاسَة كنَديّة أن مع كُل كذبة تَسقط خمس شَعرات من الرأس!).


والدَّراسات الوَهميّة تَطُول في شَتّى المجالات فبِمُجرّد أن تكتب في مُحرّكات البحث عِبارة (أثبَتت دِرَاسَة) ستنفجِر مِن بينِ يديك ينابيع العُلوم والمعرفة (الزائفة)، وَمنهُم أيضًا مَن أرفقَ لَك اسم الدَّولة التي أُجريت فيهَا هذه الدراسة! والآخر كان ذكيًا بما يكفي لِيضع بين يديك أرقامًا ونِسب مئوية لِكي تَشعُر بالارتياح وأنت تُحدِّث الناس بهذا الهُراء.


هَل أصبَحت عِبارة (أثبَتت دِرَاسَة) بمثابة إعلان بصياغة عِلمية جَذّابة!، وَهَل باتت كتابَة الحقائق العلميّة لا تحتَاج إلّا لِحروف وكلمات مُنمّقة بثيابِ المَعرفة!.


هذه الجُملة التي يُستهلُّ بهَا خرافاتٍ متنوّعة لا أصلَ لها مِن الصحّة تطرُقُ برِفق على أُذن السامِع لِتداعبَ انتباهه لِما بعدَها، دُونَ أن تُكبِّده عناء التفكير فيه، إذ يُحدِّث نفسه قائلًا (أثبَتت دِرَاسَة، إذن لا داع للتفكير)، يوميًّا يتبادَلُ النَّاس معلوماتٍ تُوهِمهم أنّها عِلمًا، وتضعُ بَعضَهم في خانَة المُثقّفين حِين يُناقِشون بهَا آخرين.


بِلا شَك العِلمُ الحقيقِي مَوجودٌ بينَ أَيدينا، بَذَل من أجل إيصَاله لنا عُلماءُ أكفاء تَرفّعوا عن داءِ النَّسخ واللَّصق وواصَلوا الليل بالنَّهار لينشُروا أبحاثَهم وَدراساتهم، لِذا فَإنَّ المَعلومة لا تُؤخَذ مِن نَص أبتَر غَير موثّق، وإن رافقتهُ صُورة لخلايا الدِّماغ فَبدا مُستساغًا للعين بتَصميمه العِلميّ الأنيق.


المَعلومة لا تُؤخَذ مِن الرَسائل المَوسميّة التي تَضُج بهَا هواتفنا للتعَامل مَع أمراض الشِّتاء وَالصَّيف مَا لم نَعرِف مَصدَرها.. للمَعلُومة أبوابها الصَحيحة تُفتَح لِمن يريد، وللمكتباتِ رُفوفٌ عَليها مُجَلّداتٌ وكُتبٌ مَنسيّة فانتقِ مِنها تلك التي بَين جنَباتِها عِلمٌ يُنتَفعُ بِه وتَحقَّق قَبل أن تنشُر.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سَنـــــــاء الزيود

تدوينات ذات صلة