ما إن تلبسني هذا الحزن، حتى بدأت الحيرة والتساؤلات تعصف في عقلي بلا هوادة، من أنا بهذا الحزن؟ وإلام ألت؟
كعادتي في الحزن، أتلاشى، تبتلعني هوة سحيقة من المشاعر المبهمة، ملساء الملامح، شديدة السواد، تتبدل قوانين الجاذبية وأحوالها عندي، تدفعني قوة ما للخلف، للأسفل، قوة مدفوعة من الحزن .
كعادتي في الحزن، أتوشح بالصمت، صامت القول والشعور، أرقب العالم بعينين جاحظتين مشدوهتين، كمن يرقب حدثًا ما من خلف شاشة صماء عملاقة، لذا أبدو أعمى .
كعادتي في الحزن، ألفني بِقوقعة، أعيش بها متكورا على نفسي، بالعا صوتي، كاتما صدى شعوري، تختلط عندي الأحداث، المشاعر والأفكار، لا حدود فاصلة بينها، ولا حتى ملامح واضحة لأي منها .
ما إن تلبسني هذا الحزن، حتى بدأت بداخلي الحيرة والتساؤلات التي تعصف في عقلي بلا هوادة، لتذكرني بأحداث دارت بها رحى الشهور والأيام التي مضت، أتقبلها تارة وأدفعها عن بقايا اللاجنون عندي تارة أخرى، وأؤمن أن هذا الصراع الدائر بيني وبيني عاجز عن خلقه أي شعور آخر غير الحزن .
أيكون هذا الحزن غيمة سوداء عابرة؟ أم يلبث طويلا مبشرا بما لا يستحب مجيئه؟ أم ضبابا سيكشطه يوما ما غيث فرح سرمدي؟ أم دليل رشاد يودي بي إلى درب طويل من الرضا الذي يجيء بعد عمر من التيه؟
هذا الحزن الذي كان ولا زال نقطة التقاء كل ما تعج به غرف الذاكرة من نزلاء، رغم تفاوت مواعيد توافدهم داخل نزل ذاكرتي، والتي لم يعودوا يألفوا لهم سواها موطنا، ولم يعتادوا غيرها مستقرا، إلا أن هذا الموطن ما عاد يستوعب ما دون هذا الحزن، كسابق عهده .
من أنا بهذا الحزن؟ وإلام ألت؟ ربما يكون الجواب على هذه التساؤلات واضح، بيد أنه يتسع بالاحتمالات التي لا تضيق عند تساؤل ما، لقد كان حريا بهذا الحزن أن ينتزعني من عالمي ويلقي به في عالم آخر غير الذي أعيش، عالم لا يشبهني، أقف فيه عند نقطة لا أستطيع التقدم فيها، دائرة مغلقة أدور بها ووجهتي _دون وعي مني_ نقطة البداية كما كل مرة، خاو من الدوافع والآمال، فارغ من الشغف، ليس لي من مرساة فيه، هائم فوق الدروب والطرقات، أفتش فيه عن ذاتي أو عن أي طريق يفضي إلى الخلاص، عالم يتبدل فيه الضحك بالبكاء، أو ربما -كإحدى طرقي في ممارسة الحزن وتحويله لِكوميديا سوداء-، عالم يشتد فيه على المرء البكاء، إلى أن يستحيل كركرة آخر الأمر .
وأدرك بعد طول معاشرة أن لا حدود للحزن البشري، وأنه مهما حاولت محاربته أو خلع ثوبه عني، فإني كمن يسلخ جلده ليطرحه عن عاتقه ويعرّي نفسه .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات