"إنّ واحِدنا حِين يمُوت، يَخسر مُباشرةً 21 غْرامًا من رُوحِه"، الذّات، المُحصِّلة، المُسلَّمات والمُعتقدَات السّاكِنة فِينا !!
على شاطىِء البَحر يتسكّع وحدَه، تلتَهم الرّمال أقدامَه وتجرّها نحْو الأسفَل بِكُل جبَروت، تمامًا كما تجُر الأفكار روحَه نحو الهاوِية، تتضاربُ الأفكَار في عقلِه، أيٌّ مِنها الثّابتَة المُنتصِرة؟
يقلّب هاتِفه بحثًا عمّا يشغَل بهِ نفسَه، يتجوّل بين مواقعِ التّواصل الإجتماعي باحثًا عمّا يُخرِس بهِ سيْل أفكارِه، عن رسالةٍ من صديقٍ قديمٍ تُحيِي ابتسامَته، أو لحنٍ موسيقيٍّ هادئٍ لِتضجّ به رُوحه، لكِن دون جَدوى.
يتنقّل بِوحدتِه بين محطّات أفكَاره، يتجاوزُها واحدةً تِلو الأُخرى بِكلّ ما أُوتِي مِن قوّة، فكرةً تِلو الفِكرة، حتّى لاحَت أمَام نَاظِريه أصْعبَها، فكرةٌ داعبَت في عقلِه ذاكَ الجُزء الذي يُؤمن بِما هو أَبعدُ مِن عِلم الفِيزياء وما شَابهَه.
"إنّ واحِدنا حِين يمُوت، يَخسر مُباشرةً 21 غْرامًا من رُوحِه".
ما هذا؟ أيُعقل أنّ كُل ما يعتَريه من أحلامٍ وطُموحاتٍ ورغباتٍ، وماضٍ وذكرياتٍ، ومُيولٍ، يزِنُ فقط 21 غرامًا مِنه؟!
خَفيفٌ هو، تُؤرجِحه كلِمة، تَقتُله كلِمة، يعتَزل العالمَ بِسببِ كلِمة، يَعودُ لِموطِنه من كلِمة، ويَهجُره دُون رَجعةٍ بِسببِ كلِمة.
خفيفٌ كَورقةِ شجرٍ تَحمِلها الرّياح، كَابتِسامةٍ تتَلاشى بعْد كلِمة "بخاطرك، مُضطّر أنهِي" من شخصِه المُفضّل، كَهمسةٍ يُردّدها في باحَة المطَار قائلًا "سامحوني، مجبور أسافر وأترُككم"، خفيفٌ بِصورةٍ تَبعثُ على الشّفقة.
21 غْرامًا، هي وزنُ ذاتِه، هي مُحصِّلته، هي وزنُ كل مُسلَّماتِه ومُعتقدَاته السّاكِنة فِيه، ورُغم كل هذا يتخلّى عنْها فِي لحظةٍ ما، ويرُدّها نحْوَ العدَم.
هذا ليس كابُوسًا، على العكْس، إنّهُ يحْيَا هذِه اللّحظة واقِعًا، ويُفكّر في كُل هذا، لكنّه ليس على ما يُرام، إنّهُ يَعلَم أنّ سَيْل الأَفكارِ سيُرافِقهُ ما بقِيَ حيًّا يُرزَق، لكِنْ تعتَلِيهِ رَغبةٌ عَارمَةٌ بِأَن يُخاطِب نَفسهُ قائِلًا لها: "رِفْقًا بِ21 غْرامًا تَملِكينها، ألَا تَريْن أنّها قليلةٌ أصلًا؟ حاوِلي أنْ تستَهلكِيها في إنتاجِ كل التّفاصِيل المُلوّنة، كَالضَّحكَات مثلًا.
إِيّاكِ أنْ تقُولِي أنْ لا شَيء يَبعثُ على البَهجة، هُناك عائِلة، أصدِقاء، هُناكَ أنَا، رَفيقُك على الدّوام، أُحادِثكِ بِاستِمرار، وإِن قال النّاس عنِّي مجنُونًا. المَجانِينُ مِثلِي يزُورونَ البَحر إنْ كانَت أنْفُسهُم تشكُو القلَق، فَكُلِّي يرجُو أنْ تكُون ال21 غْرامًا خاصّتهُ كُلّها طُمأنِينة".
يومًا ما سَتحُولُ أشجَار القَلق إلَى حَدائِقَ من طُمأنِينة.
_ قَبل أنْ نُغادِر، هلّا أَخبرْتِني: البَحرُ لوْ فاضَ القَلقُ بِرُوحِه، أَتُرَاه يَبكِي لِلشّواطِئ مِثلِي؟
التعليقات