إنّ الشّرنَقةَ أصلُ كلِّ ولادةٍ، ولادةٍ جديدةٍ وصادقةٍ .

إلى سجا العام الجديد!

السلام على قلبك رقيق الحس، وكلَّ الأعوامِ تحمل لك بين أيامها الخير، هذا العامُ ميلاد جديدٌ لسجا، مَن أجل سجا، لقلبها وروحها وأناها، ويقينها أكثر فأكثر، فرصة جديدة لأن تعي حقيقة العالم من حولك بِبصيرةٍ أكثر بيّنة، وقلب أكثر قوة، وعقل أكثر فطنة وحكمة.

لطالما اعتبرت نفسك شرنقة ضعيفة، وبعد خوضك لِمعارك عدة غيّرت حياتكِ للأفضل قليلًا، وبينما أنتِ تمرّين بِفترات ارتباك كثيرة، باحثة عن شيء لا تستطيعين تحديده، إذ بِفراشة تظهر من بين فِرقيّ الشرنقة، تنمو بِداخلك بِشجاعة نبتة صغيرة، تشق أرضًا جدباء، تودّ إعلان أمل جديد، تحفر فيكِ كما يفعل الريح بِكثبان الرمال الشاهقة، تحمل مع رفرفة جناحيها كل الأشياء والأجوبة التي كنتِ تبحثين عنها.

أحب فيك أنك قادرة على النهوض رغم استحالة الأمر، أنك تعبرين الدروب حتى نهايتها رغم الخوف الذي يغطي جناحيك، أنك تعترفين بِالشجاعة في الوقت الذي تنفلت فيه الأشياء منك صوب الخسارة.

أحب فيك أنك تلمسين ندوبك بِحب وتقبل دون هرب، وأنك رغم كل ما حدث ويحدث، تعيدين ترميم نفسك من جديد، بِأجنحة أقوى، لا يكسرها أو يهزمها الفقد أو الخذلان.

أراهنكِ على فكرةِ العيش في كل هذا، صدّقيني! هل سبق وأن قلت لكِ أنك فتاة ترى الجراح قوة دافعة لِرفرفة جناحيها!

أيتها الشرنقة الصغيرة، حين تخلعي ثوبك القديم استعدادًا لِأن تصبحي فراشة، عليك أن تستعدي لِكي تنفُضي عنك كل ما كانت عليه الشرنقة، لا، لن تصبحي مجرّدة، فكُل أنا ولها ما يميّزها، كل زمن وله أناه، وكل عام وله تجاربه، ومغامراته، وصعابه كذلك، وإنّ أشد الصعاب التي يمكن أن يقحم بها المرء نفسه هي أن يربط أناه الجديدة بِلحظاته القديمة، ظنًّا منه أنّه سوف يصبح مجرّدًا وحيدًا، الذاكرة تُمحى، والكل يرحل أمام ناظِريْه، دون أن تنبض لِأجله قلوب جديدة!

إن أردتِ التحليق، عليك أن لا تنظري للوراء، سوف يتشبّث بكِ الذين أحبّوا أناكِ الجديدة، ولكن تيقّني من رحيل الغالبية، فالتّجربة بستانكِ أنتِ، لن يتمتّع بِالتحليقِ في سمائها، أو يعيشها، أو يدرك حجم حاجتكِ إليها إلّاكِ، فلن يتساوى بصرُ الناظر بِبصيرة المتمعّن المحلّق في ربوعِ بساتين التجارب والمغامرات.

اعتمدي على نفْسكِ جيدًا دون اتّكال، جاوزِي بها الصعاب دون تجاهل العِبر، عوّديها على الحرية دون التحرّر، أدّبيها بالأخلاقيات دون المثاليات، درّبيها على التواضع دون الخضوع، والاستقلالية في القول دون الفرض.

يا فتاة، أتمنى أن تعوّضك الأقدار بِمن يطابق فِكره فكرك، فإنْ العقول تلاقت، استحال على أصحابها الفراق طوال الدهر، يمشي كلاكما بِرفقة الآخر، ملّاحان مُبحران في مجاهيل حياةٍ واحدة، في الرّزق وفي التّعب، قلبًا يضمّد قلب، تُسِرّان لِنفسيكُما معًا: "أيا روحي التي بها أحيا، وبها يضيء العمر ويُستضاء".

يا فراشة، إنّ قلبك موطنُ الطُّهر والنّقاء على هذه الأرض، وهو أمانةُ الرّبِّ فيكِ فأحسِني، وتيقّني أنّ الشرنقة أصل كل ولادة، ولادة جديدة وصادقة، وأنكِ فجأة ستخرجين فراشة جديدة صلبة الجناحين، من وهن شرنقتكِ التي كنت تظنينها يومًا ما شاقة لن تنتهي!


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سجا أبو شمالة

تدوينات ذات صلة