دائماً ما تجتر الأحداث المتشابهه بعضها بإنسيابيه تبدد المسافات الزمنية وتجعلها كطرفة عين.تجتر بعضها البعض بشكل مفجع؛ كإنفراط حبات عقد

إنغمست اليوم العديد من المرات؛ في أسي هادئ كوجه نهر ساكن, يكاد من فرط سكونه يبدو وكأن وجوده منعدم, لكنه عميق. يمتد حتي أقاصي الذاكرة.

إنبثق ذلك الأسي إثر حادث سير؛ أودي بحياة شقيقة زميلة مدرسية لي. قرأت الخبر .أعدت قراءته. كررت ذلك مرة أو مرتين. هاتفت صديقة مشتركة لأتأكد_ إنها عادتي في مواجهة الامور المباغته الصادمة,أصمت ثم أفقد إستيعابي الكامل للمعاني أتشبث بعد ذلك بإحتمالات واهية لإنكار الحقائق العارية. أعود لرشدي. أتألم. يزداد الألم.

تأكدت من الخبر وإنغمست في الأسي,لم تكن صديقتي, لم تكن زميلتي المدرسية أيضا من أصدقائي المقربين. ولكنه الحادث الأليم. يتكرر كل حين, مخلفا وراءه نهر هادئ عميق يفيض بالأسي. دائماً ما تجتر الأحداث المتشابهه بعضها بإنسيابيه تبدد المسافات الزمنية وتجعلها كطرفة عين.


إنه يوم من أيام الاسبوع؛ في شهرٍ ما من العام الذي يمثل لي الصف الثاني الابتدائي. في الفصل المدرسي المستطيل؛ الذي لا أذكر لون جدرانه ولكنها تصتبغ في ذاكرتي بلون ترابي. تصتبغ ذكرياتي في مدرستي الأولي تلك؛ باللون الترابي علي الدوام. كانت النافذة في مواجة الباب وكانت واسعة؛ تتسع لنصف عدد الطالبات الصغيرات جدا في الحجم المتوزعات في أرجاء الفصل بشكل منتظم معتاد. كنا ننصت للدرس,إلتقطت أذاننا بغته صوت إصطدام؛ ولكنني لا اتذكر الصوت الان. هل تسجل الذاكرة الصور بشكل افضل من تسجيلها للاصوات؟ ركضنا نحو النافذة. صرخت إحدي الطالبات. لم تمكننا الزاواية التي نقف فيها من رؤية شقيقها. لا أذكر شيئا أخر سوي بقعة حمراء داكنة جافة في مكان الحادث وكرة. اذكر إسم الطالبة وإسم شقيقها الذي أعاد والديها إختياره للمولود الجديد في العام التالي. وأذكر الأسي.


طرفة عين.


إنه يوم من أيام الاسبوع؛ في شهرٍ ما من العام الذي يمثل لي الصف السادس الابتدائي. بعد إنتهاء الدوام المدرسي. أمي تجلس علي طرف السرير في غرفتي ذات الجدران الوردية؛ واجلس انا أرضاً؛ مستنده الي السرير بجانبي الايسر, انظر باتجاه النافذة. شعرت شقيقتي بضيق غير مبرر وبكت. رن الهاتف الموضوع بجانب السرير بعد قليل. أظن أنني أتذكر صوت الرنين. كان الاتصال يحمل خبر وفاة لا يزال أثره مدوياً. حادث أخر, سيارة أخري. نزيف داخلي في المعدة لشاب من عائلتي لا تتوقف ذكراه عن الوميض ببالي,في كل يوم,في كل عام من الاعوام المنقضية,حتي الان. أذكر الوميض والأسي والمسجد المقام به العزاء ولون بنطالي وبقية الليلة في منزلنا.


طرفة عين


حادث سير أودي بحياة شقيقة زميلة مدرسية لي.


المدرسة من جديد.

زميلنا في المدرسة؛ الأول علي دفعتنا في الثانوية العام؛ تصطدم الكرة بصدره في ملعب الجامعة الأمريكية؛ تحديداً في قلبه. إصطدام أودي بحياته؛ أتذكره وأمه بحفل تخرجنا المدرسي قبل عام من الحادث. حادث الملعب.


ملعب أخر علي بعد ثلاث تقاطعات من منزلنا؛ ملعب النادي القريب الذي إبتلع فيه الصبي لسانه ومات مختنقاً. أتذكر من ذلك اليوم؛ أسفلت الطريق الرمادي شديد القتامة والخشونة و الصمت.


دائماً ما تجتر الأحداث المتشابهه بعضها البعض بإنسيابيه تبدد المسافات الزمنية وتجعلها كطرفة عين.


انه الثاني والعشرين من أغسطس.

فارقنا منذ عامين في التاريخ عينه, معلمنا الجامعي د.تهامي محمود تهامي, وفارقنا قبل شهرين معلمنا الجامعي د.رمضان عبدالرحمن, وقبل ذلك بأعوام فقدنا معلمنا المدرسي العزيز سعودي.


تجتر الأحداث بعضها البعض بشكل مفجع كإنفراط حبات عقد. عليّ التوقف الان.


رولا نضال

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رولا نضال

تدوينات ذات صلة