هل تشكو صعوبة الوقت وضيقه في رمضان؟ وخاصة أيام رمضان ولياليه الصيفية؟ هل تنبع هذه الشكوى من حقيقة رمضان بذاته؟ أم أن لسلوكياتنا فيه دور ما؟


بفارغ الصبر ومن العام إلى التالي ننتظر شهرًا محددًا تنهال فيه بركات الرزق بكل أشكاله وأنواعه وأهمها بركة الوقت؛ فراغٌ من طعام وشراب، تسريحٌ باكرٌ من العمل، تفرغٌ جماعي للعبادة.


( هل هذه صورةٌ مشرقةٌ خياليةٌ بالنسبة لك؟ )


إنها كذلك بالنسبة لي، فماذا عنك؟


صورة خيالية؟؟ نعم هي كذلك، دعني أوضح لك لماذا أراها بهذا الشكل.


إني أراها هكذا لما فرضه علينا الزمان والمجتمع من قيود اجتماعية ودوامات لا منتهية من المُلهيات التي لا جدوى منها سوى قتل الوقت بسيف الزَّيْف تحت مسمى ( المتعة وتمضية الوقت حت يحين وقت الطعام ).


انظروا معي كيف تبدَّلَت المفاهيم حتى وصلنا لمرحلة ضياع الهدف:


*شهر الصيام وتقليل مدخلات الجسم من شوارد الطعام، أصبح شهرًا لتعدد الأطباق والأصناف على المائدة، شهرًا تتسابق فيه النساء لإعداد قائمة موائده وتخزين مطالبه قبل موعده بشهر عل أقل التقديرات؛ لتتفاخر هذه أمام تلك بمدى براعتها في تخزين ما لم يخطر ببال نظيرتها تخزينَه في مبردة الطعام ( الفريزر ).


*شهر التعاطف والتراحم بين الناس،

شهر إغداق ذوي اليد العليا على من ضاق بهم العيش وتقطَّعَت بهم السُّبُل،

ولكنَّه ومع كل أسف غدا شهرًا تتَّسع به الفجوة بين طبقات المجتمع؛ فالجميع مشغولون إما بنومٍ أو بمدى كفاية خزينه من المواد التموينية حتى آخر الشهر الفضيل.


لا أعمِّم أبدًا ففي أمة محمد ( عليه الصلاة والسلام )من يتطاير الخير تطايرًا من بين أيديهم.


*شهر العبادة بصيامٍ صحيحٍ وصلاةٍ مضاعفةٍ وحفظٍ للجوارحِ وكفٍٍّ للأذى عن الناس، أليس كذلك؟

حسنًا، إن كان كذلك فما بالنا نسمع تراشقَ الشتائم وكأنَّ لا إثم فيها؟

ثم يتبعها قول: ( لا تواخذونا مانتوا عارفين، الدنيا صيام والواحد عايف حاله)


لمَ هذا الربطُ الساذج بين الصيام وتبرير العصبية المبالغ فيها عند هؤلاء؟


*ومن ذا الذي أقنع آخرين بأن ليل رمضان أيقونةٌ للسهر والتجمعات وتعالي الضحكات بصورةٍ يومية؟

وحلول سواد أيامه إيذانٌ بتخزين ما هبَّ ودبَّ من الطعام في المعدة حتى يحين موعد أذان الفجر ؟

ليعلو بعدها صوتُ الشخير وقد يحدث ذلك حتى قبل أداء الصلاة ( إلا من رحم ربي ).


هل فرض الله علينا سهر ليله ونومَ نهاره، أم نحن الفاعلون بعاداتنا و مفاهيمنا؟


هل جعل الله محركنا الأساسي هو الطعام والشراب أم كنا نحن مفترضي ذلك؟؟



من رأيي أن عاداتنا هي التي ابتدعت صعوبة هذا الشهر ، حتى أولئك الذين قرَّروا السير عل النهج السليم سُلِبوا ذلك؛ فما أن يضع المرء منهم رأسه على وسادته ليلًا لينام كي يستعين بالنوم على قيام الثلث الأخير من الليل حتى نجد أصوات الجيران والتلفاز والأطفال تتعالى في الشارع وكأن النهار في بدايته، متجاهلين أن الساعة حينها الثانية فجرًا، وأن من رجال المساكن من يستيقظ باكرًا للذهاب إل عمله، وإن اعترض أحدهم عُلُوَّ أصواتهم، انهالوا عليه بعبارات التعجب والتذمر، وأقل ما يقولون: ( يا رجل احنا في رمضان و اللي بنعمله عبادة و صلة رحم)،


يا إلهي، وكأنَّ رمضان وُجِد ليستبيحوا خصوصية غيرهم ويقتحموا حريتهم بأصواتهم المزعجة، وكأن هلال رمضان إعلان بتبدُّل الليل والنهار!


حتى أصبح نهارهم ليلًا فلا صوت ولا حركة، وليلهم نهار باجتماعات يومية، ولا يكتفون بذلك فيمارسونه في حدود منازلهم، بل إنهم يفرضونه عل جيرانهم بأصواتهم اللامسؤولة تلك في ساحات بيوتهم وشوارع الحارات.


جعلوا من هذا الشهر ضررًا لأنفسهم وضرارًا على غيرهم.


فإذا ما ألقى رمضان علينا السلام مودعًا إيانا، رأينا العجب العُجاب من حال الناس؛


تعبٌ وإرهاق،


تقلُّبات خطيرة في النوم،


مزاجٌ متعكر ( نتيجة لمعاكسة ساعة الجسم البيولوجية بنوم النهار وسهر الليل )،


أمراض تبررها كمية السكريات والطعام الذي يفتقد للكثير من معايير الطعام الصحي، عداك عن الكميات الفائضة عن الحاجة من الطعام والتي يتناولها كثيرون ظنًا منهم أنها المعينة على الصيام.


وهذا ما نراه معاكسًا تمامًا لمراد الله عزَّ وجل من فرض صيام هذا الشهر، وحاشاه جلَّ في علاه أن يريد بعباده سوءًا ، ولكنهم بعاداتهم اللاصحية في رمضان حصدوا السوء وأضاعوا خيره وبركته.


ولا أقف هنا في هذا المقال لأفرض المثاليات وأخبركم بأن رمضان شهر الوحدة والانعزال، وأن الاجتماع مع الأقارب محرم ومنهي عنه!!!!


بالطبع لا


بالطبع لا


رمضان مجمع الخيرات وكلُّ خيرٍ فيه عبادة، ولكن الإفراط والتفريط هما المفسدان لصالح الأعمال، كما أن إيذاء الغير لتحقيق السعادة الشخصية تُدخِل صاحبها هُوَّةَ الإثم.





هذا هو الواقع العام، ولكنه ما زال بإمكانك ألا تجعله واقعك الخاص، ولكن كيف؟


احرص على عادات سليمة في رمضان والتزم بها، كن لنفسك حالة خاصة ولا تمشِ مع الركب ليتسلل رمضان من بين يديك، فتُضيعَ أجره وبركته وفوائده الجمة على نفسك وجسمك، تلك الفوائد التي لن تنالها إلا بالسَّير على النهج الصحيح في الصيام والعبادة.






ماذا يعني لك رمضان هذه السنة؟


1_ نوم منتظم.


2- قيام الثلث الأخير من الليل.


3- سحور صحي يحوي دهونًا صحية، بعيدًا كل البعد عن السكريات والنشويات الزائدة.


4- إفطارٌ خفيف يمدُّ جسمك بحاجته من الغذاء بعد الصيام وفي نفس الوقت يسمح لك بأداء صلاتك على أكمل وجه دون خمول وتكاسل.


5- قراءةٌ للقرآن وذِكرٌ وعبادة، وهنا أقصد العبادةَ بجميعِ أشكالها، ولو تمثَّلَت بابتسامة ترسمها على وجهك تَسُرُّ بها نظرَ من حولك، أو كفٍّ للسانِ عن الناس.


تذكَّروا أن كلَّ خير ٍعبادة، فأتمُّوا خيراتكم باستحضار وإخلاص النية لله تعالى.


6- صلة للأرحام بدعوتهم لتناول الإفطار سويًا بِنيَّة التقرب إلى الله عز وجل بعيدًا عن الإسراف والهدْر والتوغُّل الذي يجعل من هذه اللقاءات واجبًا يوميًّا يضيع ليالي رمضان بالسهر والمزاح ليلة بعد ليلة حتى آخر يوم في رمضان.


7- وأخيرًا، نصيحتي الأهم تحرَّك وتحرَّك؛ لتحفِّز جسمك عل طرح سمومه وحرق دهونه.


رمضان يطل مشرقًا بنور هلاله

أسأل الله لي ولكم البركة في أيامه

ورزقنا وإياكم أجر صيامه وقيامه



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

اللهم آمين،
أشكر لطفك وكلماتك الرقيقة عزيزتي آلاء، سعِدتُ بمرورك الراقي على مدونتي🌹

إقرأ المزيد من تدوينات ريم الصيرفي

تدوينات ذات صلة