الأيام التي تداوَل بيننا تشي بوجود أُناسٍ غريبي الأطوار كلٌّ منهم يرتدي نظاراتٍ طبية، نراهم بأوزانٍ تثقل كاهلهم، لكن بدون عقل يجيب ويستجيب..


لم يكن لأحدٌ أن يُخمّن أننا سنؤول إلى الحياة التكنولوجية المنزلية، أو أننا حتى سنُحجر أمام بعضنا كما لو كان الأمرُ إجبارًا يخدم صحّتنا، جميعنا كنا بين جدارنٍ تنفث التوتر، وبوجودها لا مكان لمحضرِ الخير ذاك، الحق ليس على كل نفسٍ اضطُرت لتجربة قرار الحظر الشامل، المشكلة تنبُع من فكرة الهرب .. أجل الهرب من الحديث والنقاش، والاختصار ورفض البوح بما يؤلم النفس من أسرار، تهرب أرواحنا منا بمجرد لقاءنا أمام بعضنا، واعتقدنا أن مبدأ انعدام الحديث بيننا سيدوم طويلًا حتى جاءت الكورونا كلّ كان يميل للجلوس في غرفته، ومع الأيام استطاع كلّ منا أن يتعامل مع مبدأ عزلة العائلة، وهي العودة لتاريخ ثمانية وتسعين وتسعمئة وألف.. تلك الأيام الدافئة التي لن تكل باحتضان أفرادها، الذين خرجوا بطاقة قوية، وأملٌ ما انقطع يومًا، وقت الطعام متاحٌ في أي وقت، والأمهات باشرن بإعداده بكل رفقة وحنان، لعب الورق وحتى الضحكات استرجعناها.. لكن الشّرط كان كِمامة

وفُتح ملف التعليم عن بعد.. هذا الملف جعلنا نتنبئ بمستقبل جيل كامل، منهم الصغار التي طغت أهمية صحّتهم على لهفتهم لدخول المدرسة، ومنهم الخرّيجون الذين حلِموا بلحظة ذاك الاحتفال.. متخلّين في خيالهم عن أي دليل يؤكد وجود الظروف التي نمرّ بها، لكن الوباء خيّب ظن الجميع، صار يومنا عبارة عن جِلسة أمام الهاتف المحمول أو الحاسوب الشخصي منتظرين بدء المحاضرة أو حتى انتهائها، آلام بسيطة في الظهر، لا بأس لدينا محاضرة تليها، تستطيع ضمّ قدميك أو بسطها لديك ستُ ثوانٍ فقط..يومٌ رقميّ بحت، وكمّ مكدّس من الواجبات المُعطاة التي نفتقر وجود الوقت لإكمال بعضٍ منها، وفوق كل هذا يقف المستقبل ولا يكُفّ عن العتاب قائلًا:"لك حرية الحركة الآن، قد انتهيت، باشِر بالحفظ والدراسة الأوليّة، وجالس عائلتك كن شمعة حضورهم واستزد من خبرات أقاربك، اقرأ وثقّف نفسك، انظر للمهام الجديدة لا تنقطع عن متابعة سجل الجامعة الرسمي، عُد للمحاضرات المسجلة، أجِب عن الأسئلة المطروحة ليس لديك وقت، تحدّت وأصدقائك، ابحثْ عن وظيفة جديدة، وتابع حُلمك لا يمكنك أن تظل فاشلًا هكذا

"عيونٌ هالاتها اختارت اللون الأسود كراية للتعب، وعقلٌ انتفخ من المعلومات السريعة.. بَطؤ الاستيعاب وكثُر النسيان، زادت الأرقام على الميزان، من الجلوس المتواصل وكثرة الانهماك، ولا زلنا نؤكد أنه الحل الأمثل لمثل هذه الجائحة .. ستتفاقم أعراض الإنهاك علينا جميعًا، عندها سندرك أنه ليس الحل الأمثل لكل الفئات لكن سيكون الوقت قد فات.. ستروْننا بنظارات وقلبٍ منطفئ وخلايا كلّت الإنصات.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات راما الرجبي

تدوينات ذات صلة