هَل الخَلل في قُدراتِنا التَنبئُيّة، أَم في العِلاقة بينَ التَنبؤ السياسي والعِلم..

يَقول البرُوفيسور والمُحامي الشَهير ريتشارد دانزيج: إنَّ حَالة عَدَم اليَقين تُؤدي إِلى شُعور الأَفراد بالأَلَم، وهذَا الشُعور بالأَلم يَدفَعُ الأَفراد نَحو تَعزيز طُموحَاتِهم للسَيطرة وذَلِكَ عَبر الاعتماد المُفرِط عَلى التَنبؤ.


لذَلِكَ تكوّنت لديَّ قناعة مِن خلال كَثير مِن المُعطَيات التي قَرَأتُها عَن التَنبؤ خِلالَ الليّلةِ المَاضية فَقط! والتي تَجاوَزت العَشرة أَبحاث عِلميّة حَول التنبؤ والقُدرات التَنبئيّة والمَفاهيم والمَداخل والإِشكاليّاتْ؛ دَفعتني لأن اتَفِق مع الرأي القَائِل "إنَّ المُستَقبل هوَ مجال الحُريّة والقُدرَة والإِرادة، بَل هو مَنطقةٌ يَجِبُ اِستكشافُها" وليَست كما يَرى البَعضُ مِن أَنها من المَجاهيل والغيبيات الكَهنوتيّة! لا.. بَل تَركُها سَيُفَوّتْ الكثير مِن الأُمور المُتعلّقة باليَقَظةِ والثَمرات الاِستباقيّة، وهوَ كما يُسميه البَعضُ "بالاِستشراف الاِستكشافي" وهيَ مَنطقةٌ لابُدَّ لكَ مِن بناءِها.


إذن كَانَ لابُدَّ مِن تَطوير هَذا المَفهوم بقوةٍ لأنَّه استجلاء على مَا سَوف يَنطوي عليهِ المُستَقبل، أو على الأقل إنَّ هذهِ القُدرة التنبئية تُعطيكَ صياغة رؤية مُعينة بناءً على مُعطياتٍ قَائمة، ومَساراتٍ مُعيّنة وواضِحة، ولتبسِيط الأمر أَكثر؛ عِندما تَكونُ لَديك حَادِثةٌ مُعيّنة تُعرّف بـ(أ) فإِنها سَتحدثُ في زَمنٍ مُعيّن يُرمز لَهُ (ب) وهذا اَيضًا إِن لَم يَحدُث بِشكلٍ قَويّ وكبير وبدقةٍ تَستطيع أن تُسمّيه حَسب الفَلسَفة المُتَعلّقة بهذا الأَمر هوَ "الظُروف التَمهيديّة للتَنبؤ".


حَقيقةً إِنَّ الذيّ استَوقفني في مَفهومِ التَنبؤ وأَحببتُ أن اَنقُلَهُ إِليكَ هو تَطوّر هذا العِلم بشكلٍ كبير وواسع جدًا، بَل ذَهَبت الكَثير من الحُكومات إِلى دِراسة هَذهِ الاَدبيّات بينَ مُحاولاتِ التَمييز بينَ التَنبؤ (Prediction) أَو التَوقعُات المُستَقبليّة للأَحداث (Fore Casting) بناءً على الأَوضاع الراهِنة، ذَات فَائِدة رُبما تَكون مُحدودة في ظلِ عَالم سَريع التَغيير يَسودهُ عَدَمْ اليَقين، لأَنها أَوقَعت الحكومات بأَحداث غير مُتَوقّعة كُليًا، لذَلِكَ رَكّزت الحكومات على أَدبياتٍ أُخرى أَكثر أَهميّة من التَنبؤ، وهوَ ما يُسمى بالِاستشراف الاِستراتيجي للمُستَقبل (Strategic Foresight).


تَقومُ الحكومات بتأَسيس مَراكز رَفيعة المُستوى دَاخِل أَجهزة الدَولة من أَهمها : مؤسسة (Policy Horizons Canada) وهيَ حُكوميّة فِيدراليّة تتولى دَعم الحكومة الكَنَديّة، وهُناكَ أَيضًا مَركز سَنغافورة للرؤى المُستَقبليّة الاِستراتيجيّة (Singapore’s Centre for Strategic Futures) التَابِع لمَكتب رَئيس الوزراء والذيّ يَقوم بدورٍ مُهمّ في اِجراء وتَنسيق الدِراسات الاِستشرافيّة المُستقبليّة، كما قَامتْ المُفوضيّة الاُوربيّة في نوفمبر ٢٠١٩م، بتَخصيص مَنصِب يُعرف بنائب رئيس المُفوضيّة الاُوربيّة للعِلاقات بينَ المُؤسسات والاِستشراف المُستقبلي، الذي سَيَتمّ تَكليفهُ بقيادةِ عَمَل المُفوضيّة بشأنِ الاِستشراف الاِستراتيجي، مَع اصدار تَقرير سَنَوي للتوقُعات المُستَقبليّة الاِستراتيجيّة.

الخُلاصة.. كَيف إنَّ كُل هذهِ المُؤسسات قَصرّت في تنبؤ واِستشراف حُدوث أَزمة كبيرة مِثل كورونا هذهِ الجائِحة العالميّة التي أودت بحياة (٢.٦٥ مليون انسان) وإصابة (١٢٠ مليون انسان) حتى تاريخ هذا المقال!!

لَقد أَخفقتْ كُل المؤسسات في تَوقّع أَكبر الأَزمات الدُوليّة الكُبرى، التي شَكّلت وجهَ العالم مِثل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، والأَزمة الماليّة العالميّة عام ٢٠٠٨-٢٠٠٩م، والثَوَرات التي أَطاحتْ بأَغلب الرؤساء العَرب عام ٢٠١١م، بلّ صُعود تَنظيم داعش الإرهابي ٢٠١٤م، بل والإخفاقات المتواصلة مَع التعامل مَع كُل جَديد يَحدثُ في مُجتمعاتِنا.


هَل الخَلل في قُدراتِنا التَنبئُيّة، أَم في العِلاقة بينَ التَنبؤ السياسي والعِلم، أَم في عَدَم مَعرِفَتِنا بمفهوم النَظَريّة الاستباقيّة، أَم في تَعقيداتْ الظَواهِر المُحيطة بِنا، وعَدَم اليَقين والسِيناريُوهات المُستَبعدة، والتَحيّزاتْ المُسبَقة للخُبراء والمُثَقفين..


سَتظل أُطروحة التَنبؤ مَجال بَحثٍ جَديدٍ للدراساتْ المُستقبليّة التي مِن خِلالِها يُمكنُ سَد الكَثير مِن الفَجوات والثَغرات التيّ يُمكِن من خِلالها تَجاوز الكَثير من الإِشكاليّات النَاجِمة عَن اِدراكِنا.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مصعب ثائر جسملة | Musaab Thair

تدوينات ذات صلة