السلوك الاجرامي هو الركن المادي للجريمة.. وهو صلب كل جريمة !

اعتقد أنك شاهدت البث المباشر لـ"حميد كريم حميدي" المتهم بقتل عميد في الاستخبارات العراقية، وهو يقاوم القوات الأمنية ويستخدم اطفاله كدروع بشرية.. ثم أقدم على الانتحار برمانة يدوية! في حادثة أخرى بنفس التوقيت ستة أشخاص (٦) يقتلون بسبب خلاف على سعر البطيخ!

هذا دفعني لتصفح بعض من كتبي " أصول علم الاجرام" للدكتور محمد شلال حبيب، أستاذ القانون الجنائي المساعد، لأقرأ عن النظرية الفرويدية أو نظرية التحليل النفسي "psycho-analysis" لأجيب عن مجموعة من التساؤلات التي في داخلي..


بداية وجدت أن فرويد([1]) قسّم النفسية البشرية إلى ثلاثة اقسام هي أساس تكوين الشخصية:

١-الذات المفرطة لحب الملذات والشهوات الدنيوية التي يميل لها غالبية الناس سواء في الظاهر أو في العقل الباطن أو اللاشعور.

٢-الضمير الحي والوازع الأخلاقي المتمثل بالقيم والمعاني السامية التي نتعلمها في الصغر، وهي ما فوق الشعور، وهي عنصر ضبط داخلي نفسي مهم مكتسب، يتجه نحو الورع والأخلاق الحميدة.

٣-العقل الظاهر المسيطر الذي يوقف ويكبح جماح الذات المفرطة واللاشعور في حب الملذات الدنيوية، ويكبح أيضًا الضمير الحي المتجه نحو القيّم السامية والورع المبالغ فيها.

وعليه فإن الانحراف في السلوك البشري هو اختلال نفسي في إحدى هذه الأنواع الثلاثة الموجودة في كل نفس بشرية وفي داخل تكوين كل شخصية.. كيف؟!


الجواب هو عندما يضعف العقل الظاهر المسيطر على التصرفات الخارجية أمام الضمير الحي الدافع للقيم والأخلاق والمعاني السامية، تظهر شخصية الافراد متمثلة بدرجة عالية من التصوّف والرهبنة.. وهي حقًا منبوذة لقول الله عز وجل )ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)([2]).

أما عندما يخفق العقل الظاهر المسيطر على الذات المفرطة لحب الأنا والشهوة، تبرز أساليب لاشعورية شاذة للدفاع عن التصرفات اللا سويّة مجتمعيًا متمثلة بـالسلوك الذهاني([3]) أو السلوك العصابي([4])، أو السلوك الإجرامي([5]).


وعليه عندما ترى شخصية لا تسيطر عليها العقلانية الظاهرة تستعين بتعويض هذا النقص العقلاني إما بالإسقاطات التي يقوم بها البعض على حالات معينة مشابهة، أو اظهار الكبت الداخلي، وهنا تقع الكارثة في توجيه سلوك الأشخاص، عندما يقوم اللاشعور والعقل الباطن بتوجيه سلوك الانسان! وعليه تجد مظاهر الانحراف والشذوذ المجتمعي وحب الملذات الدنيويّة، هي طريقة شرعية بل دفاعية ضد حالة القلق الداخلي كحل لمشكلة.


أما عن حالة الاشباع الذاتي وعدم وجود حالة الرضا النفسية تظهر تصرفات أخرى مثل السرقة لإشباع رغبة داخلية غير مكتملة ولسد الشعور بالنقص، وهذه الملذات الداخلية في النفس البشرية تريد اشباع دون مراعاة للتصرفات العقلانية الظاهرية ودون النظر لمقتضيات الواقع الذي يعيشه، بل الذي يزيد الأمور سوءًا هو كثرة متطلبات الواقع المحيط بالأفراد، من كثرة المظاهر الجذَابة، واضمحلال الضمير الحي المتمثل بالتربية والوازع الديني والأخلاقي وضعف أداءه، فتجد سيطرة السلوك الاجرامي بكثرة والسلوك المنحرف الشاذ مثل السرقة، والعلاقات المحرمة، والعمليات المسلّحة وبضمنها القتل.


التحليل النفسي، احدى نظريات السلوك الاجرامي13805268542422378


وهنا نجد ان التصرفات المنحرفة والشاذة ما هي إلا تصرفات لا شعورية في العقل الباطن تقوم بعملية الابدال والتعويض عن المنقوصات التي يعانيها الانسان بين مكونات الشخصية الثلاثة فتطغى احداهما على الأخرى، بالإضافة إلى متطلبات المجتمع الكثيرة والمظاهر.


وحتى لا تكون ضحية مجتمع يراعي المظاهر وحب القوة والشكليات والألوان البراقة والخداعة، اعرف ان لك قدرة معينة كفرد داخل هذا المجتمع فأنت لست خارق او حديدي للحصول على كل ما تريد! لأنك ان آمنت بقدراتك المتواضعة وتسخيرها لن تكون ضحية مجتمعية او منحرف تكون نتيجتك هي العقاب، وان كان لدى البعض عملية الانحراف السلوكي هي لاستجلاب العقاب حتى يخفف الشعور بالذنب!


والذي اثار دهشتي في تفسير السلوك الاجرامي عند مدرسة التحليل النفسي هو قولها إنَّ الذي يقوم بتصرفات عدوانية وإجرامية يكون عادة ما يدافع عن قلقه الداخلي وعدم شعوره بالاطمئنان النفسي، فالقلق والإحباط والشعور بالدونية هو ما يثير السلوك العدواني لدى الأشخاص، وعليه فإن المجرم الذي يقوم بعمل اجرامي يستهدف به نفسه أو فرد أو المجتمع يعرف أن تصرفه يؤدي به إلى عقوبة شديدة وقوية، لكنه يرى أن افضل وسيلة للسيطرة على الخوف أو القلق النفسي هو أن يبادر بسرعة بسلوكهِ الاجرامي وبداية العدوان على الاخرين، الذي يكون مختلفًا من حالة إلى اخرى ومن سلوك إلى أخر.


أما عن خلاصة رائي في هذه النظرية بعد قراءة متواضعة فأقول بالله التوفيق، إنَّ الكثير من الناس يهملون الجانب النفسي ويربطونه بالأمراض والعقد النفسية فقط، ونسوا أنَّ الله عز وجل ذكر النفس ومشتقاتها (١٩٦) مرّة، لأهميتها في تكوين التصرفات، وقدسيتها ورفعة شأنها، وهنا فإن هذه النظرية اهتمت بجانب مهم من جوانب البشرية، وسلطت الضوء عليها وهي إضافة علميّة تستحق التقدير، لما لها من دور في دراسة السلوك الاجرامي، والحد منه في المجتمع، باعتبار ان البحث سابقًا كان على الجوانب العضوية في الفرد مقتصرةً عليه.


التحليل النفسي، احدى نظريات السلوك الاجرامي4710690705770038


لكن إطلاق النظرية على ما هو عليه خطأ ايضًا، لأني عاصرت الكثير من ضعفاء الشخصية والضمير، كانوا أضعف من ان يقودهم سلوكهم إلى القيام بجريمة، لأنهم رغم العيش في دوامة المجتمع والقلق والحاجة، ومع ذلك لا يفعلون أي سلوك إجرامي، بل وهناك حالات ايضًا تبين أنَّ هناك اشخاص غريبي الاطوار، كونهم ليس لديهم ميول نحو الملذات او الأفعال الشهوانية، ومع ذلك يقومون بسلوك اجرامي دون ادنى أي انفعال ظاهر أو احيانًا يتمتعون بذكاء عالي، هنا اعتقد ان النظرية تقف عاجزة عن تقديم بيان علمي واضح يوسع من نطاق تطبيقها.


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

([1]) سيغموند فرويد (١٨٥٦-١٩٣٩م)، هو طبيب نمساوي من أصل يهودي، اختص بدراسة الطب العصبي ومفكر حر يعتبر مؤسس علم التحليل النفسي.

([2]) القران الكريم، سورة الحديد، الآية رقم (٢٧).

([3]) مُصطلح عام للتعبير عن مُختلف الأمراض العقلية، التي تكون مصحوبة بظهور الهلاوس أو الأوهام كونها علامات المرض الأكثر بروزاً.

([4]) مصطلح عام للتعبير عن مستوى عالٍ من القلق، وهو الشعور بخطر متوقع غالباً يصعب التعرف على أسبابه، ورغم أن العصابين يشعرون بالضياع والتعاسة لكنهم يتمكنون من إدراك الأعراض التي يعانون منها، وبإمكانهم تأدية أعمالهم اليومية والقيام بوظائفهم بشكل طبيعي فهم يستطيعون الاستمرار في تأدية أعمالهم اليومية، والقيام بوظائفهم بشكل طبيعي فهم يستطيعون الاستمرار في العيش في ظروف الحياة اليومية العادية مع معاناتهم من مشكلات معينة تتصل بجانب معين من سلوكهم.

([5]) يعرّف بأنَّه المظهر الخارجي للركن المادي للجريمة، وهو يأتي في صلب كل جريمة لأن المشرع لا يجرم على مجرد التفكير في الجريمة أو على مجرد الدوافع والنزاعات النفسية وإنما يستلزم أن تظهر تلك النزاعات والعوامل الدفينة في صورة واقعة مادية هي الواقعة الإجرامية، وتلك العوامل النفسية مظهرا مادياً.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مصعب ثائر جسملة | Musaab Thair

تدوينات ذات صلة