في ظل التطور التكنولوجي والتقدم العلمي يجب أن نشهد تطورا موازيا في نوعية حياة الإنسان وليس تحويله إلى عبد بهيئة موظف

وهل نستنتج أن الرأسمالية ما هي إلا مجرد عبودية حديثة؟

نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية حولت العبودية الكلاسيكية إلى عبودية مدفوعة الأجر، ولعلها أخطر لكونها مبطنة.

أنت كفرد ترهن وقتك وإبداعك وأحلامك وشغفك وصحتك الجسدية والنفسية لدى الشركات مقابل الفتات. لتعيش وهم الحرية ووهم الحياة.

يمكننا أن نقول أن العبودية المأجورة أكثر ربحا لدى هذا النظام، وأكثر قسوة من عبودية الماضي.

لم تتغير العقود عبر الزمن بين المالك والعبد في مضمونها، إنما تغيرت في شكلها، بل وقد تكون العبودية الحديثة قللت من المسؤوليات الملقاة على كاهل "المالك" من مسؤولية مباشرة لمأكل ومشرب وصحة وذرية العبد. حتى أن المالك" الشركات" قادر على استبدال "العبد" الموظف بسهولة إذا ما حدث له مكروه.


وهذا يقودنا إلى الأسئلة التالية، ما هو شكل العالم الذي نريده؟ وأي نظام سيكون أكثر تحقيقا للعدالة الإنسانية والاجتماعية للأفراد؟

هل العالم مهيئ لبناء شركات مهنية وصحية قادرة على احتواء الموظفين؟

هل الشركات تعي أهمية حفظ حقوق الموظف خلال عمله وبعد إنهاء عمله معهم؟

أم أن هذا العالم بات مصمما ليرسخ مفهوم "العبودية" وفقط؟

هل المفردات من إنسانية، وعدالة ومساواة، وحياة سليمة متوازنة، ما هي إلا غطاء لممارسة العبودية بشكل أعمق وأكثر تأثير؟

هل الموظف قيمته في الشركات مهمة وخبرته مقدرة ومحل تقدير ويتم حفظ حقوقه والاستثمار في مهاراته وأحلامه وطموحه أم أنه مجرد "مسمار" في سفينة يمكن استبداله سريعا ولا أهمية لفردانيته أو لمشاعره أو لقدرته على تحمل الضغوطات؟

هل نظام ما بات بعد كورونا بات أسهل بالنسبة له ترسيخ مفهوم الاستعباد ؟

شح في التوظيف .. تقليل للرواتب .. وزيادة في حجم المسؤوليات والمهمات والضغوطات الملقاة على عاتق الموظف دون أخذ بعين الاعتبار ما يترتب عليه من ضغوطات نفسية، وأمراض جسدية يسببه له العمل ساعات طويلة دون توقف.

وهل الإنسان خُلق ليفنى من أجل "شركة"؟ وهل الإنسان وُجد ليفنى من أجل "فكرة" ؟

أم من أجل حفنة من المدراء غير الكفوئين وغير القادرين على إدارة أنفسهم حتى؟

هل يدرك هذا العالم "الاقتصادي" أهمية المدير الواعي الذي يمتلك خبرة مهنية وصفات قيادية وإنسانية تمكنه من إدارة العديد من الموظفين؟

هل من المفترض أن يتم ترقية الإنسان لمنصب أعلى، فيغدو عمله أقل ومسؤولياته أقل أم من المفترض أن يكون عمله أكثر ومسؤولياته أكبر وساعات عمله مضاعفة لإنقاذ فريقه؟

المدير المناسب.. هل يستخدم أسلوب التوبيخ والعقاب لفريقه أم من المفترض أن يتحمل كافة المسؤوليات من فريقه حول أي أخطاء تحدث بقصد أو عير قصد؟

هل يتم اختيار المدير بناء على الأقدمية؟

وهل العمل بشكل متكرر بذات العمل وذات المنصب يعني الأكثر خبرة؟

أم أنه من المفترض الاختيار بناء على الكفاءة والمهارات والقدرة على التعامل مع التحديات اليومية؟

هل هناك قوانين قادرة فعليا على حماية الموظفين؟ وأين اختفت حركة النقابات التي تقف بوجه أي اختلال في التوازن بين قوى "المدراء ورؤوس الأموال والموظف والعامل"؟

من قال أنه من الصحيح تعزيز وتكريس مبدأ السيد والرعاة .. السيد والعبيد ؟

من قال أنه من الطبيعي والصحيح أن يكون هناك فجوة مهولة في الرواتب بين الموظفين؟

إن حركة النقابات مهمة في كل دولة لمنع أي تعدي على حقوق العامل والموظف .. !

ووجود هيئة تدافع عن الموظف وقادرة على رفع قضايا على المتسبب في الضرر ضروري ومهم لردع أي اجحاف وقرارات غير إنسانية من قبل الشركات,

ماذا يعني أن يكون هناك بند في عقد العمل يسمح للشركة باستخدام الموظف في أي عمل أو دور حتى إن كان خارج مهمات منصبه ومسماه الوظيفي ، في أي وقت تراه مناسبا .. لما يعود على العمل بالفائدة"؟

ماذا يعني أن يعمل الموظف ساعات إضافية إذا اقتضت مصلحة العمل؟

أي مصلحة عمل أهم من حياة وصحة ونفسية موظف؟


ونحن لا نتكلم عن حالات فردانية ..ولا عن حالات استثنائية

نتحدث عن تحول كبير في طبيعة السوق عن ضرر يلحق الملايين من الموظفين.

عن الندرة في الوظائف خاصة بعد وباء كورونا التي دفع بالناس بالقبول بأي ضغوطات أو شروط مقابل "أكل العيش".

الخوف من الإقصاء وخسارة العمل يجعل الملايين يتغاضون عن أي تجاوزات بحقهم.

هذا العالم الرأسمالي الذي يعزز نفسه يوميا في كافة بقاع الأرض بات مجحفا ويتجاوز حده كثيرا.

يسلب من الناس عمرهم ووقتهم وروحهم مقابل الفتات حتى مقابل ما لا يكفيهم حتى لسداد دينهم وقروضهم.


أين الحركات النقابية؟ لماذا لا يتم عمل دراسات ميدانية لوضع وحالة الموظفين حقيقة؟

لماذا لا يتم إعادة تقييم الشركات وعقودهم وشروطهم اللا إنسانية؟

لماذا لا يتم تقييم وضع السوق العشوائي الغوغائي المتضرر في أغلب بقاع الأرض اليوم؟

من قال أن المواطن عليه أن يتحمل ضريبة كل شيء ؟ أزمات اقتصادية، أزمات غذاء ودواء

أزمات صحية وسياسية ؟

أين الحركات الثورية الفلسفية الفكرية التي من الممكن أن تقف بوجه الوضع الإنساني الصعب الذي وصلنا إليه اليوم؟

ففي ظل التطور التكنولوجي المعلوماتي العلمي المهول الذي توصلنا إليه، يجب أن نشهد حركة تطور في نوعية حياة الإنسان وليس تحويل الإنسان من "عبد" إلى "عبد بهيئة موظف" يعيش في وهم "الرخاء".


ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة