إنَّ هذا الشهر هديّة ربانيّة، لفطرةٍ سليمة ودعوة للتغيير..

لن أكونَ معكَ تقليديًا، وخصوصًا عن مقالاتِ رمضان هذا الشهر العظيم، الذي كَتب عنهُ جمَعٌ من الأطباءِ والمتخصصين وهم يُبحرونَ في علاجاتهِ، ودور الاقلاع عن الطعامِ والشراب، وما له من أثرٍ في علاج العِلَلِ، وفي الشفاءِ من الاسقام، وعافية البدن والعقل، فَقد أسهبوا بمقالاتٍ ودراساتٍ لا يسعُ المجالُ لحَصرِها ولا لبَيَانِها..


أما أنَا فأحببت ان اُبحرَ مَعَك في عوالمَ أخرى، عوالم السمو بالروح النقيّة المنُبثقة من الصلاةِ والتلاوةِ وغَيرِها من العباداتِ التي فَرَضها اللهُ عَزَّ وجل، وأخصُّ بها عَوالِم الوحدة الإنسانية جمَعاء، وهي تجتمعُ في منظومةِ الاخلاق السامية العالميّة التي لا تحدها حُدود ولا يُقيّدها وقتٌ إِنما هُو شهرٌ قمريٌ واحد في كلِ الكُرة الارضيّة، ليَس هُناكَ فرقٌ بين جنسٍ أو عِرق أو بَلد، فساكنُ الشمال من العالم يَصومُ مع جنوبهِ، وساكنُ الشرقِ يصومُ مع غربهِ..


هَذا هو شَهر الفِطرة السَليمة التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها؛ خُلق قَويم وتهَذيبٌ كاملٌ لبني البَشر، تجَتمعُ فيهِ خصلتين أَساسيتين من تكوين بني آدم أجمع، (الروحُ، والبَدَن)، فالروحُ هِي أن تعلمَ النفس مَدارك التَفرِقة بين الخيرِ والشَرّ، والحقِ والباطِل بإِعمال كل الاعَمال النافِعَة لتحصيلِ المَنافع ودفعِ المَضار، حيثُ من وصايا هَذا الشهرِ الكريم أَن لا غِيبةَ ولا نَميمة ولا حَسَد ولا غِش! بل أن تَحلم على الغير، وألا تَرفُثَ ولا تصخب، وإِن سابكَ أَحدٌ وشَاتمك أو قاتلك فلن تَقول سِوى: إِني أمرؤ صائم! وهذا اِنما يَدلُ عَلى مَنظومةِ الاخلاق التي يدعو اِليها الإِسلام ويحَرِصُ عَليها دائمًا، بل كُلَ سَنَةٍ شَهرًا كاملًا ثلاثين يومًا تذكيرًا وعملاً، ولا يُقبَل الصِيام إلا بشروطهِ منها، فمن لم يَدع قولَ الزورِ والعملَ به، والجهل، فليس للهِ حاجةٌ أن يدع طعامهُ وشرابه!


وعليهِ إن تَوحيد الناسِ في كل بقاعِ الأرض على تقويم السُلوك المنُحرف، وإِعمال الخير وتحسينهِ وذَمِ الشَر واستقباحه لهوَ قانونٌ أَخلاقيّ ربانيّ طبعهُ الله على بني البَشَر فَقيرهم وغنيّهم، شقيهم وسعيدهم، ليبتعِدوا عَن نَوازِع الاَهواء والشَهَوات وعن ضُغوط الحياة وشواغِلها، وإِدراك الخَيريّة في هذا الشهر، واِن ذَلِكَ لمن أَعظم الأَفعال واَجلّها، ولو عَمِلَ بها العالمُ أَجمع لسادَ الخيرُ ولتَربّت النفوس على إِدراك خَيريّة الأَفعال وحَصَلت المنافِع الاِقتصاديّة بتوفيرِ الطَعام والشراب، والمنافع الاجتماعية بتساوي مَعِدَةِ بني آدم فلا فرقَ بين غَنيّ وفَقير! ومنافِعَ اَخلاقيّة، وإِن لم تَقدِر على دَفع الشَرّ كان عليها عَلى الأَقل إِهمالها وإِضعافُها، وما أَحوَجنا في هذا العالم الذي يَسودهُ الظَلام، اَن تُشرِقَ فيهِ اخلاقياتُ رمضانَ المُبارَكَة، التي تُوَحّد الناس عَلى طلبِ الخَيرِ والبُعد عَن الشَرّ..


وأقولُ لكم قد أظلكم شهرٌ عَظيم، شَهرٌ مبارك، فيهِ لَيلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهر، لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكُونوا عباد الله إِخوانا.. عَسى اَن تستمرَ منظومةُ الاخلاقِ عندنا من رَمضانَ إلى رَمَضانْ!



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مصعب ثائر جسملة | Musaab Thair

تدوينات ذات صلة