هل أنت سعيدٌ الآن حيث أنت هل أنت راضٍ عني أحبك فكما قال رب الكون سنشد عضدك بأخيك
هل كل الأُمور التي تحدث بحياتنا ذات بُعدٍ واتجاه واحد ، أم انها تحتوي على أبعاد لا نرغب بتصديقها أو حتى لا نرغب بالتفكير بها ، لأن سوء الظن دائماً يُغرينا ؟
بالعادة نتخيل الأمور كما نريد نحن أن نتخيلها ، ونرسم أحداثاً وهمية تناسب ما نريد أن نتخيل وما نريد أن يحدث
بعض النظر عن الواقع او ما يحدث بالحقيقة .
كمان حدث معي تماماً .
أبلغ من العمر ستة و عشرون عاماً وما سأرويه الآن حدث معي منذ تقريبا عشرة سنوات أو ربما يزيد عن هذه المدة بقليل ، لكن لم اتخطى ما حدث معي ولم امتلك الشجاعة لأكتبه إلا الآن .
أنا هو الطفل المدلل الموجود بكل عائلة ، لكن الفرق الوحيد هو أنني لست المدلل لدى والديّ بل المدلل لدى أخي الكبير .
لأنه وبكل بساطة توفي والداي منذ أن كنتُ طفلاً لا اعرف كيف ولماذا ، و ربما أيضاً لم أكن متأثراً بفقدانهم ، ليس لانني كنت طفلاً صغيراً في ذلك الوقت بل لأنني أمتلك أخاً لا أُريد شيئاً آخر سواه في حياتي .
بعد وفاة والدايّ رفض أي فرد من عائلتي أن يقوم برعايتنا كنت في ذلك الوقت أبلغ من العمر عشرة أعوام و أخي يكبرني بثمانية أعوام .
في ذلك الحين قرر أخي أن يبدأ بالاعتماد على نفسه ليقوم بإعالة كلينا ، ترك تعليمه الجامعي الذي كان يشارف على البدء به وبدلاً من ذلك بدأ بالعمل بدوام جزئي ، بدأ الأمر بدوامٍ جزئي واحد وانتهى بثلاثة دوامات جزئية ، مع استراحات بسيطة بينها ، لم تكن استراحات تامة بل كانت أوقات لرعايتي .
كان لديه هدفين فقط بالحياة
الاول كان الاثبات للجميع اننا لا نحتاج لأحد والثاني أن أكون الأفضل .
لم يرضى بأن اترك مقاعد الدراسة كما فعل هو ، ولم يقبل أن أعمل معه كان متكفلاً بكل الأمور التي احتاجها سواء أكانت حاجيات أساسية او حاجيات كمالية بإمكاني أن أستغني عنها .
بالرغم من أن وضعنا المادي لم يكن جيداً ببداية الأمر الا أن أخي لم ينسى أن يحضر لي الحلويات عندما يعود للمنزل الصغير الذي يناسب حالتنا المادية في نهاية اليوم ، و لم ينسى أن يحضر لي جميع الالعاب الحديثة الي امتلكها زملائي بالمدرسة حتى لا أشعر بالنقص
لقد أقسم على أن لا أحتاج شيئاً أو أحداً بحياتي سواه .
عامٌ يليه عاماً آخر تحسنت أوضاعنا أكثر ، تمكن أخي من أن يستأجر شقةً أكبر ، تمكن من أن يمتلك سيارة وإن كانت صغيرة وقديمة لكنها تكفي لينتقل بها إلى أماكن عمله المختلفة و ليقوم بإيصالي للمدرسة ، كانت جميع أُمورنا تسير على ما يرام الا أن اكتشف أخي إنه يعاني من تضخم في عضلة القلب ، كنتُ خائفاً وبشدة لكنه أخبرني أن الأمر ليس خطيراً ومرور السنوات كان كفيلاً بأن انسى الأمر برمته .
عندما أصبحت في الخامسة عشر ، تغير أخي تغير كبير لم يعد يعاملني بلطف ، لم يعد يريد إيصالي للمدرسة بعد الآن وأن استخدم المواصلات العامة كبديل .
ارتبط بعملٍ إضافي آخر وأصبحت بالكاد أراه ، أصبح أكثر حرصاً على النقود التي نصرفها وأصبح يتحكم بي أكثر ، لم أعلم لما يفعل ذلك ولم أرغب بسؤاله ولكن كنتُ حقيراً كفاية لأكرهه .
مرّت اربعة شهور سيئة أصبحت بها لا أطيق حتى النظر اليه واتجنب رؤيته بقدر المستطاع
كنت أرى انه مخطئ بالرغم من أن كل ما طلبه مني أن أصبح أكثر اعتماداً على نفسي أن استيقظ وحدي أن أذهب للمدرسة من تلقاء نفسي والعديد من الأمور التافهة التي كان يفعلها من أجلي حتى لا اشعر بالتعب .
لكن الأمر من وجهة نظري الانانية كان انه لم يكن عليه أن ينسحب فجأة من هذه المهام بعد أن اعتدت على أن يفعلها من أجلي.
أصبحتُ شخصاً لا يطاق .
مرت عدة أيام وشهور على هذا الأمر كنتُ أرى الحزن بعيون أخي بسبب تجاهلي له لكنني لم اهتم وكان التعب بادياً على وجهه أيضاً ولم تهتز شعرة مني ، لا أعلم ما الذي كنتُ أفكر به في تلك الفترة لكنني كنتُ غبياً و بدرجة كبيرة جداً .
ظننت أن كل ما يحدث هو مجرد فلسفة منه وأنه تمادى بلعب دور الوالدين ، لكن الأخبار السيئة لا يمكنها انا تختبئ كثيراً ، لقد علمتُ وعن طريق الصدفة أن مرض القلب الذي يعاني منه أخي قد تطور لدرجة أنه لن يسمح له بالبقاء على قيد الحياة لأكثر من ستة شهور ..ستة شهور مضى منها أربعة .
ربما لو بدأت بشرح المشاعر التي أحسستُ بها في تلك اللحظة قد احتاج للملايين من الكلمات والتي لن تفيدني حتى بالتعبير او أن تحدث فرقاً .
لكن أكثر ما شعرت به هو كم أن أخي قريب مني وكم أنا بعيد عنه كم هو أخ طيب و كم كنت أخاً لئيماً
كان طيباً لدرجة انه لم يرغب يإخباري حتى أقلق أو حتى لا أحزن
حتى استطيع اكمال حياتي بشكل طبيعي حتى لا التفت لشيء آخر غير دراستي
حتى في لحظات حياته الأخيرة لم يكن يفكر الا بي
كان متعباً ومع ذلك عمل بمكتبة كعملٍ اضافي رابع حتى يتمكن من جمع اكبر قدر من الاموال كي أستطيع أن أكمل حياتي من بعده
كان يخبئ الأموال حتى يستطيع شراء المنزل لي كي لا اقلق بشأن أمر الإيجار من بعده
كان يعلمني أن اعتمد على نفسي لانه لن يكون هنا ليعتني بي بعد الآن
وهو لم يعلم انني لا أُريد أن اكون على هذه الحياة من بعده وانني لا أُريد شيئاً سواه .
كان يريد أن يعتني بي و هو على قيد الحياة وحتى وهو ميت.
عندما علم بشأن موته استيقظ على خطئه الكبير الذي ارتكبه وعلى الدلال الفاسد الذي منحني اياه وكان عليه أن يصلحه خلال فترة الستة أشهر .
في بداية الأمر أرغمتُ نفسي على التصرف بطبيعية وأن لا أُظهر له بأني أعلم أي شيء بما يخص قلبه
كنت أصلح خطأي الذي ارتكبته منذ اربعة شهور بينما أساعده في اصلاح خطئه
في اليوم التالي استيقظتُ وحدي لأول مرة بعد أن كان يفشل المنبه المليون ومحاولات أخي السبعين في إيقاظي
حاولتُ أن أجعل كل ما كان يحاول من أجله بالفترة الماضية أن يكون حقيقياً حاولتُ أن اخفف عنه قدر المستطاع فبدلاً من أن يقوم هو بتنضيف المنزل سأقوم انا به و كذلك الأمر سار على العديد من الأمور .
لم يستطع أخي اكمال تعليمه او ان يعيش حياة خاصة به بل كانت حياته كلها تتمحور من أجلي لذا قررت أن أكون مشروعه الناجح وبصمته الباقية بهذه الحياة من بعده .
لاحظ هو التغير الفظيع الذي حلّ بي وأتوقع إنه شكّ بمعرفتي بأمر سرّه الكبير
لكن قرر هو إخباري بالأمر مباشرة
كان صعباً عليه كثيراً ان يبوح بالأمر و بكى كلانا كثيراً كما لم نبكي بحياتنا مطلقاً .
بعد محاولاتٍ عديدة وجهدٍ كبير ارغمته على الجلوس بالمنزل والتوقف عن العمل ، اعتنيتُ به و رعيته حاولت أن أعوض عن كل ما فعله لي لكنني كنت اعلم بأني لن أصل حتى لربع العطاء الذي قدمه لي .
كان تفكيري طفولياً لدرجة أنني ظننت أنه و باعتنائي به ربما يتعافى لكن كان مرضه أخطر مما تخليت وكان قلبه أكبر من أن يتسع لهذا العالم وتوفي .
مرت فترة لا أستطيع ان أحصيها وأنا لم أكن واعياً على ما حدث ، كنت أشعر بأني خارج هذا العالم كله
لكنني تذكرت أخي وشعرت به وتذكرت كيف وعدت نفسي بأن أكون نسخته
وعيتُ على نفسي وأكملت مسيرته أنهيتُ مدرستي و تخرجتُ من الجامعة من ذات التخصص الذي كان يتمنى أخي دراسته
بقيتُ بذات المنزل الذي اشتراه لي بالرغم من قدرتي على شراء غيره
ما زلتُ أرتدي ملابسه
و من خارج ارادتي أصبحتُ اقلده بأبسط التفاصيل التي امتلكها .
ولطالما تمنى أن يصل الى مراتب تعليمية عالية لذى وصلت من أجله
وكما قام بتعليمي ورعايتي فعلتُ هذا للعديد من الأيتام مثلي
الجميع يظن إنني إنسان رائع و مجتهد وطيب القلب
لكن الجميع لا يعلم بأن هذا ليس أنا
لأن أنا هو أخي .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
الله يرحمه ويغفر له
اللهم ارحمه واغفر له واجعل روحه الطيبه في نعيم
احببتها