الواقعية السحرية: نظرة في كتاب الواقعية السحرية في الرواية العربية للدكتور حامد أبو أحمد.




1.هل نفهم الواقعية السحرية بشكل صحيح إلى الآن؟ ترى أي مكان انطلقت منه؟




يظن الكثيرون في مصر والعالم العربي أن الواقعية السحرية في الأدب ليست أكثر من الدخول في عالم الجن والعفاريت وما نسميه بالجانب العجائبي في حياة الإنسان. لكنها أعمق من ذلك بكثير، فبعضها يتعلق بتراثنا القصصي ورواية الأخبار والحكايات والكتابات التاريخية. وخير ما يمثل الواقعية السحرية في تراثنا العربي "ألف ليلة وليلة". حيث انتشرت الواقعية السحرية بشكل عالمي في النصف الثاني من القرن العشرين.



تقوم الواقعية السحرية على ثلاثة جوانب: أولًا: الجانب العجائبي: والذي يتمثل في "ألف ليلة وليلة" وحواديت الجدات. ثانيا: الجانب الأسطوري: كما يقول خورخي لويس بورخيس: "إن الأسطورة تقع في بداية الأدب وفي منتهاه". ثالثا: الجانب السريالي: وهو الاتجاه الحديث الذي ظهر في الأدب المعاصر. أي أن الواقعية السحرية بذلك ليست فقط في الجانب العجائبي والسحر والتعاويذ والعفاريت لكنها تجمع بين الثلاثة جوانب السابقة، أي: بين القديم العجائبي كألف ليلة وليلة وحكايات الجدات مثلا والأخبار، وبين الحداثة وتطور العلم وتيار الوعي وهو السريالية التي ما كانت لتنشأ لولا تطور الأبحاث في علم النفس واهتمامها بالجوانب الباطنية للإنسان وانعكاسها على الواقع اليومي، كذلك تطور وعي الإنسان واتجاهه نحو العوالم الخفية في حياته وتأثيرها على وجوده ورؤيته للعالم والكون. فالواقعية السحرية إذن هى كل هذا.



نشأت حركة الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية ثم تأثر العالم كله بها بعد ذلك، إلا أن لها جذور عربية تأثر بها كُتاب أمريكا اللاتينية، حيث اعترفوا بتأثرهم بألف ليلة وليلة؛ حيث قالوا: إن حواديت الجدات بها أشياء خيالية وغريبة وبعضها مأخوذ من ألف ليلة وليلة ويقول جارثيا ماركيز: أن أول كتاب عرفه وهو في السابعة من عمره هو كتاب ألف ليلة وليلة، ويقول آخر: إن ألف ليلة وليلة من ستة أو عشرة كتب يحملها معه في أسفاره، ومنهم من ترجمها أو استلهمها في كتاباته أو نقده. فالليالي العربية جزء في تكوين الواقعية السحرية لكنها ليست كل الواقعية السحرية.




ظهرت الواقعية السحرية في أمريكا الجنوبية لسببين: أولًا: مواكبة التطور في قارات العالم خاصة أوربا، وهذا السبب لن نتوقف عنده لأن هذا سبب طبيعي جُبلت عليه الإنسانية. ثانيا: الأوضاع الحياتية في هذه القارة والتي كانت مشجعة لظهور هذا الاتجاه. حيث عاشت هذه القارة أوضاعًا صعبة وقاسية للغاية -حتى الآن-. فقد انطوى الواقع على غرائب وتناقضات وأشياء مثيرة للدهشة لا يتطلب أكثر من نقلها إلى الورق، فهذا الواقع أكثر قدرة على الإثارة وأفضل بكثير من مخيلة الكاتب لأن الكاتب مهما تخيل لن يستطيع صياغة عالم كهذا العالم الواقعي. وغاية ما يفعله الكاتب أن يكون بناؤه للرواية محكمًا وأن يقدم رواية حديثة فيها عمق وبساطة وفي هذه الحالة لن يكون هذا الواقع إلا واقعًا سحريًا.



عانت أمريكا اللاتينية من الحكام الديكتاتوريين الذين لعبوا دورًا كبيرًا في صياغة هذا الواقع الغريب. حتى أن هؤلاء الحكام تحولوا لأساطير عندما لما يصدق الناس الخلاص منهم لقوتهم وبطشهم واستبدادهم. وتعرضت القارة لكل صنوف البشاعة والقسوة والاستغلال من المستعمر الأوربي، من إبادة جماعية للهنود الحمر السكان الأصليين للقارة، والسلب والنهب، واتخاذها مصدرًا للمواد الأولية. ثم عانت هذه القارة من كل صنوف الاستغلال حتى الآن.



استطاع جابرييل جارثيا ماركيز في روايته المشهورة "مائة عام من العزلة" أن يجسد هذه الأوضاع في أمكنة وشخصيات وأحداث لفتت إليه أنظار العالم. فقد عكس الأوضاع بصدق ووعي وفهم فجاءت الرواية نموذجًا بارزًا وملهمًا في الواقعية السحرية، حيث يخلط الواقع بالخرافة بالسحر بالأسطورة ليقدم نماذج من البشر يتمثل فيها هذا الوضع الغريب الذي عاشه سكان هذه القارة.





2.جذور عربية تراثية…



اعترف كُتاب أمريكا اللاتينية بأن ألف ليلة وليلة كانت جزءا من تكوينهم -كما أشرنا من قبل-، وفي هذا الصدد يود الدكتور حامد أبو أحمد أن يشير إلى حوارات جارثيا ماركيز الكثيرة التي ميز فيها دائما بين الحرية والفوضى. فيما يتعلق بالحرية، قال: "...إن الأدب فيه إمكانيات أخرى غير الإمكانيات العقلية والأكاديمية التي عرفها أثناء دراسته." وفيما يتعلق بالفوضى، قال: "إن المرء لا يمكن أن يخترع أو يتخيل كل ما يعن له دون ضوابط وإلا تحول الأمر إلى مجرد أكاذيب. إذا يستطيع المرء أن يزيح العقل بشرط ألا يقع في الفوضى أي في اللا عقلانية المطلقة" وهو يقصد بذلك الفانتازيا على طريقة والت ديزني التي قال إنها من أكثر الأشياء إثارة لكراهيته.




يذكر الدكتور حامد أبو أحمد مثالين من روايتين عربيتين ظن صاحبيها أنهما يقدمان الواقعية السحرية، ولكنها أكاذيب لا معقولة وليست واقعية سحرية. فإحداهما تجعل الفول والطعمية يصلان للبيوت في أنابيب طويلة، والأخرى جعلت بطلها يضاجع نساء القرى وهو يقود الشاحنة التي وصل بها لهذه القرى. أما مثال للكاتب الذي حقق الواقعية السحرية في أبهى صورها هو خيري شلبي، وله روايات كثيرة في هذا الاتجاه مثل: الشطار ونسف الأدمغة وبغلة العرش والسنيورة.




تمنحنا الجذور التراثية العربية الحق في أن يكون لنا باع طويل في الواقعية السحرية، وهذه الجذور تتبدى في كتب وأعمال كثيرة، منها مثلا: ألف ليلة وليلة، كتاب التيجان في ملوك حَميَر، السير الشعبية عجائب الهند، رحلة السيرافي، قصص الأنبياء، قصص القرآن، كتاب الأغاني…وغيرها الكثير من الكتب التي تفتح المجال للخيال دون أية عوائق وتغوص في ميادين وعوالم غريبة ومدهشة. يعرض الدكتور حامد أبو أحمد كتاب "التيجان في ملوك حمير" المأخوذ عن وهب بن منبه، حيث يقول الدكتور حامد أبو أحمد: "أقول إن هذا الكتاب الذي يقع في أكثر من ثلاثمائة صفحة حكاياته كلها تدخل في الجانب السحري بدءًا من أسطورة خلق الجنة ثم النار… ويلاحظ أن وهب بن منبه ينسب روايته في العادة لمن يسميهم أهل العلم". ويقول طه حسين: " للعرب خيالهم الشعبي، وهذا الخيال قد جد وعمل وأثمر، وكانت نتيجة جهده وعمله وإثماره هذه الأقاصيص والأساطير...".



ويعرض أبو حامد في مقدمة كتابه لكتاب عربي آخر مليء بالأساطير، كتاب "عجائب الهند بره وبحره وجزايره" لبُزُرك بن شهريار، والعجائب في هذا الكتاب لا حصر لها، فالغرقى ينقلهم طير عظيم، والسمكة تكون إمرأة أو العكس بالعكس، و السلحفاة تتحول إلى جزيرة يمشي فوقها البشر الذين خرجوا من السفينة،… والغرام يحدث بين قردة وبحار، وسوق الجن، وطائر السمندل وهو طائر أسطوري.





3.ترجمة للكاتب:



حامد أبو أحمد دكتوراة في الأدب الأسباني من جامعة مدريد في مارس عام 1983 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان عنوان الرسالة " جوانب في شعر خوان رامون خيمنيث". عميد كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر من 2004م إلى 2006م، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، وعضو نادي القصة ، وجمعية الأدباء. ألف أربعة عشر كتابًا في الأدب والنقد والعلاقة بين الأدب العربي والأدب الأسباني، ترجم عن الأسبانية ستة أعمال أدبية ونقدية.





3.خاتمة:


أردت أن نبحر معًا في مقدمة كتاب "الواقعية السحرية في الرواية العربية" للدكتور حامد أبو أحمد، حيث طُلب مني في إحدى محاضرات دراسة الماجستير في اللغة العربية- التعرف على الواقعية السحرية، فقلت لما لا نقرأ سويا. العربية وأدبها بحر واسع لا نهاية له، أحب دائمًا أن أبحر مع القراء بالفصحى في العربية.




المصدر: كتاب " الواقعية السحرية في الرواية العربية"، الدكتور حامد أبو أحمد، الطبعة الأولى، 2009م، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.

رحاب رزق

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

أحسنت يا دكتورة ... فتح الله لك

إقرأ المزيد من تدوينات رحاب رزق

تدوينات ذات صلة