"إذا كان التبرج ذنب فإن تعمد التبرج في العلن وعن قصد لهو رأس كل الذنوب"
فُرِضَ الحجاب على الفتيات عندما يبلغن وتظهر علين مظاهر الأنوثة حيث تنصح الفتاة أن تغطي رأسها ونحرها وجيبها (صدرها) وأن ترتدي ما لا يشف ولا يحدد مناطق الجسد. والفلسفة وراء هذا التَحَجُب للنساء عموما هو ستر مفاتنهن خارج البيت حتى لا يثرن غرائز الرجال وخاصة الشباب. والغرض من وراء كل ذلك هو استقرار سلوك الشارع، وتقليل الضغط النفسي على الشباب غير المتزوج، وتقليل فرص التحرش، وصيانة الفتيات من العيون الثاقبة لبعض الرجال.
والحجاب أيضا مطلوبا للرجال لستر منطقة العورة وهي ما بين السُرّة والركبتين، وبالطبع تجنب ارتداء الملابس التي تشف الجسد، أو الضيقة التي تبين مناطق الفتنة عند الرجل. والحجاب في المظهر للرجل لا يقل أهمية عن حجاب الفتاة. صحيح أن الفتيات أشد فتنة من الرجال، ولكن الرجال أيضا بهم أماكن فتنة لو كُشفت أو تحددت لأصبحت فتنة للفتيات. فمسئولية ستر الفتنة مشتركة بين النساء والرجال خاصة من يتشبهون بالنساء في القول والمظهر.
والحجاب للنساء والرجال ليس فقط في الالتزام بالزي الذي لا يشف ولا يَحِز، ولكن الأهم من ذلك كله الالتزام بلغة الحوار الراقي المؤدب الذي يضمن حسن أخلاق الشارع، وذلك بالبعد عن استخدام أي من الألفاظ النابية وخاصة تلك التي تخدش الحياء أو التي تسيء للأب وللأم والأخوات. فإذا كان المظهر مهما فإن المخبر أهم. فإذا ساد الحجاب وتفشت البذاءة، فلن يُغني حجاب مفاتن المظهر عن إشاعة الفاحشة والتحرش العلني.
وعندما أسير في الشارع، أجد الشباب يرتدون ملابس ضيقة جدة وممزقة في أماكن بعينها ومرفوعة عن أماكن أخري تجعل من الشاب يبدو وكأنه يتعمد ابراز مفاتنه. والأخطر من ذلك، أجد الشباب يستخدمون لغة علنية بذيئة وخارجة تخدش حياء ليس فقط الأطفال والنساء ولكن أيضا الرجال. والعجيب والغريب أن يستخدم الشباب تلك اللغة البذيئة لا تحفظ وبلا خجل بل بشخر وفخر. فأين الحجاب من ذلك، وأين الحياء، وأين الرجولة، وأين النبل والمروءة والفحولة والفتوة والرقي والتحضر من هذه السلوكيات التي تهتز لها سبع سماوات والارضين.
نعم، الدعوة إلى حجاب النساء مهمة لضبط سلوك الشارع، ولكن من المهم أيضا دعوة الرجال للحجاب في المظهر والمخبر والحوار. يجب ألا نُلقي المسئولية وحدها على النساء على أساس أنهن أكثر فتنة أو مصدر الفتنة، ولكن يجب أيضا أن نركز على حجاب الشباب فيما فُرض عليهم من مظهر لائق وكلام يليق بالرجولة. إن التركيز على النساء فقط يضعهن تحت ضغط نفسي كبير خاصة عندما يشاهدن الرجال يفعلون ويقولون ما يشاؤون. ولكن إذا شعرن بأن أصابع الدعوة والنصح في الحجاب تتجه أيضا للرجال فسوف يزيد ذلك من شعورهن بالمسئولية لديهن والراحة النفسية.
نعم، النساء أكثر حظا من الرجال في امتلاك مظاهر الجمال والفتنة ولكنها مسئولية عليهن كبيرة. ولكن الرجال أيضا عليهم مسئولية أكبر من النساء في ضبط السلوك في المظهر والمخبر لكي يكونوا قدوة في حجاب الجسد واللسان والنفس.
ولذلك أتعجب لماذا لا يخاطب أهل الدين في كل المحافل الرجال ويدعوهم للحجاب جنبا إلي جنب من دعوتهم النساء للحجاب.
إذا كان الجسد فتنة والحجاب سُترة، فحديث الناس ولو من وراء حجاب أكثر فتنة. وإذا كان التزام النساء بالحجاب مهما لضبط هوي النفوس، فالتزام الرجال بحجاب المظهر والقول أهم.
أصلح الله أنفسنا وحماها من الفتن وسترها من العيوب.
مع خالص تحياتي
ا.د. محمد لبيب سالم
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات