"ما بين التقدم في العلوم الأساسية والتطبيقية والعلوم الإنسانية ارادة مستقبل"


التنافس في العلوم الأساسية والتطبيقية صعب المنال ويحتاج إمكانات مادية هائلة حتى وإن توفرت الإمكانات البشرية المدربة. وهذا هو الواقع في معظم البلاد العربية والتي ما زال البحث العلمي فيها بعيدا عن التنافسية العليا على مستوي ما يسمي Cutting-edge research وهذا النوع من البحوث المعقدة يتطلب إمكانات معملية نوعية هائلة معظمها غير متوفر في بلادنا العربية.


وسوف اعطي بعض الأمثلة على ذلك، حيوانات التجارب المهندسة وراثيا، السلالات المختلفة من حيوانات التجارب، الخلايا وحيدة النسيلة سواء الطبيعية أو المهندسة وراثيا أو الورمية، وحدات التعامل مع الميكروبات الهوائية (أي التي تنتقل عن طريق الهواء)، العديد من الكيماويات المهمة، البطء الشديد في استيراد بعض الكيماويات نظرا لأنها لا تصنع محليا. هذه بعض الأمثلة التي تعوق التنافسية العليا في نوع الأبحاث وليس في كميتها. هذا رغم وجود العقول المدربة والتي اكتسبت خبرات هائلة خارج البلاد في الدول الغربية. ولذلك، أصبح التنافس في البحث العلمي النوعي صعبا، رغم قدرتنا الكبيرة على التنافس الكمي.


ولذلك، فهناك فرصة ذهبية متاحة للتنافس النوعي والكمي في البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية بما فيها الرياضيات والتي لا تحتاج إلى إمكانات معملية. وبالطبع يبدو أن هذا الطرح واعدًا جدا وممكنا خاصة أن مصر بالفعل أصبحت رائدة في علوم تكنولوجيا المعلومات Information Technology رغم أنها تحتاج إلي إمكانات، ولكنها متوفرة.

فإذا كنا قد استطعنا أن نكون من رواد تكنولوجيا المعلومات، فمن السهولة بمكان أن نكون رواد في العلوم الإنسانية. الفرصة المتاحة كبيرة وواسعة وممكنة شريطة أن يكون طريق الريادة واضح وجليّ أمام أعين المتخصصين في هذه المجالات سواء في الجامعات أو مراكز البحوث أو الوزارات والمؤسسات ذات الصلة.

ليس بالضرورة أن نتميز في جميع المجالات وجميع العلوم. ولكن يكفينا أن نكون روادا في علم أو بعض العلوم دون غيرها مع احتفاظنا بالتواجد المشرف في العلوم الأخرى. أما عن العلوم الإنسانية فتاريخنا وحاضرنا مشرف وغني بالنجاحات والتميز، ولكن علينا وضع خريطة طريق وطنية ليس فقط في التميز، ولكن في الريادة في هذه العلوم التي أصبحت في عصرنا الحاضر والعقود القادمة في غاية الأهمية للبشرية.

وباستشراف المستقبل، أستطيع أن أقول أن البشرية في العقود القادمة سوف تحتاج إلي تطور كبير في العلوم الانسانية لكي تخفف من مادية وجفاف التقدم الرهيب والمتنامي في العلوم الاساسية والتكنولوجية. ولذلك، فالفرصة سانحة لدينا لكي نسبق العالم أجمع في ريادة العلوم الانسانية تماما كما فعلت إنجلترا وفرنسا ومعهم ألمانيا عندما بدأت الثورة الصناعية في الغرب في القرن السابع والثامن عشر في الفوران واصابته العالم الغربي بالمادية.

لدينا كل شيء لكي تكون لنا الريادة في العلوم الإنسانية، لدينا التاريخ والحاضر والطاقة البشرية المبدعة بطبيعتها، ولدينا إرادة القيادة السياسية القوية، ولدينا رغبة في نهضة إنسانية. ما ينقصنا هو وجود خريطة طريق وطنية لرسم المسار والأدوات والأهداف والآليات والأدوار التي تؤدي إلى تحقيق هذه الريادة المستحقة.

هذه هي رؤيتي التي أري أنها تستحق الدراسة، بل تستحق مؤتمرًا وطنيًا تناقش فيه هذه الرؤية وكيفية تحقيقها.

مع خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة بكلية العلوم جامعة طنطا

مقرر مجلس بحوث الثقافة والمعرفة

أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا

وكاتب وروائي وعضو اتحاد كتاب مصر

www.mohamedlabibsalem.com




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة