"اكتب ما تشعر به لتفرح به، ولا تكتفي بقراءة ما يكتبه الآخرون"
نعم, القراءة مهمة ولكن الكتابة تمثل عبر التاريخ أهم بصمات الإنسان، فهو الكائن الحي الوحيد القادر على الكتابة، وعلى قراءة ما يكتبه بنفسه أو بأيدي الآخرين، ثم ادراكه وفهمه وتحليله والاستفادة منه. ولكني وللأسف لاحظت أن الكثير من الناس يلجأ إلى تبادل نشر البوستات بطرقها المختلفة. وقلما أجد من يكتب بنفسه عن مشاعره الانسانية ولو علي سبيل المقتطفات. وحتي من يكتب قليل من القراء ما يهتم بما يكتب إلا اذا كان البوست تم تداوله بصورة إعلانية ممولة بصورة أو أخري.
أري أن السبب في ذلك يكمن في أن وسائل التكنولوجيا الحديثة سهلت على الجميع النسخ واللصق والنشر علي أكبر نطاق، حتي أننا نجد أن نفس البوست يتناوله الناس في نفس الوقت وكأنه مقرر علي الجميع، وحتى ظننت أن وظيفة معظم الناس هي مجرد البحث عن بوستات والقيام بنشرها هنا وهناك، مما يمثل فقرا بل افلاسا فكريا كبيرا.
والكتابة عما يدور في خُلد النفس لهو أرقي ما يملكه الإنسان للتعبير عن الذات في علاقته مع نفسه ومع الآخرين. فأن تكتب بنفسك لهو أعمق وأشمل وأكثر تأثيرا من قراءة انتاج غيرك. فمع كل كلمة تكتبها انسياب للمشاعر من عقلك إلي قلبك إلي الوسيلة التي تكتب عليها وتنقش أفكارك فيها. ففي الكتابة حديث وتناغم بين الأنامل والعقل والقلب تجعل جميع حواس الجسم تشترك في صنع الكلمة ومعناها، فتجعل النهايات العصبية بالأنامل (أطراف الأصابع) تنتعش، وتجعل بؤرة ومقلة العين تسعد وتتفتح كالزهرة عندما ترتوي بإنتاج صاحبها، وتجعل الأذن ترتوي بما تسمعه من معاني الكلمات، وتجعل اللسان يتلذذ عندما ينطق حروف صاحبه.
للأسف، لم يعد أحد يكتب كما كنا وتعودنا أن نكتب. صحيح أن الكتابة بأطراف الأنامل باستخدام "الكيبورد" أو "بالتاتش" بالموبايل أفضل كثيرا من عدمه ومن الاعتماد علي قراءة ما يكتبه الآخرون، إلا أن هذا الأسلوب في الكتابة يقلل من فرص استخدام كل الحواس لدي صاحب الكلمات.
فمن يُمسك قلما بين أصابعه ليكتب علي ورقة بيضاء، فهو يستخدم ويستشعر مساحة أكبر من النهايات العصبية وبالتالي مساحة اكبر من مناطق الاحساس. بالإضافة أن لرؤبة ما يخطه القلم علي الورقة البيضاء شعور ايجابي رائع علي النفس.
ولكننا للأسف فقدنا هذه النعمة عند معظمنا ولم نعد نستخدم الأنامل والأقلام إلا في التوقيع. وبهذا حرمتنا التكنولوجيا من نعمة تناغم الحواس أثناء الكتابة. جرب أن تكتب بالقلم علي ورقة وستكتشف بنفسك كم أن هذا شعور رائع وكم أنت رائع.
فاكتب ما تشعر به، ولا تكتفي بقراءة ما يكتبه الآخرون. شارك في صنع الكلمات والمشاعر مهما كانت الكلمات ومهما كانت المشاعر. ففي الكتابة حياة.
تحياتي
د. محمد لبيب سالم
كاتب وروائي وعضو اتحاد كتاب مصر
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات