نناقش الشعور العام ببطء مرور الأيام وتأثير الترندات على وسائل التواصل. ثمة ربط بين الروتين اليومي والقلق المستقبلي، نوصي بضرورة الحفاظ على التوازن النفسي.

سطوة الترند والتلاعب بالوعي والإدراك

"الشهر مش عاوز يخلص ليه"!


- انا حاسس اننا بقالنا 5 سنين في شهر 5.

- شايف نفسك فين بعد شهر 5؟

- أنا حضرت فرح واحد صاحبي أول شهر مايو دلوقتي ما شاء الله عنده عبد الرحمن ومليكة.

- لما مايو الكئيب عامل فينا كده أومال اخوه الكبير أغسطس هيعمل فينا إيه؟

- اللهم بلغنا شهر يونيو.


هذه مجرد معاينات يسيرة لما ينشره البعض كل شهر تقريبًا على مواقع التواصل الاجتماعي، متذمرين مما يُخيَّل إليهم أنه شعور بطول أيام الشهر، وبطء انقضائه، مع الترويج لحالة من الضيق والضجر والملل من هذا الأمر.


أُدرك تمامًا مشكلة الشعور ببطء انقضاء الأيام والشهور التي تعترض الكثير، وما يرافقها من شكاوى متكررة حول الملل والضجر والكآبة من الأيام والحياة وغير ذلك. ولكن هل فكّرنا في الأسباب الحقيقية وراء هذا الشعور؟


قبل أن نناقش خطورة هذا الشعور وما يلازمه غالبًا من تسخّط على الزمن، وعدم جواز ذلك شرعًا؛ يجب أن نتعامل مع هذه القضية بحكمة وتفهم. فالأمور المتعلقة بالزمن ومسألة إدراكه تختلف بين الأفراد، وقد تتأثر بالعديد من العوامل؛ فقد يشعر البعض أن الأيام تجري بسرعة، بل بسرعة كبيرة، بينما يشعر آخرون أنها تمر ببطء شديد. فأحيانا أجد من يقول -مستغرِبًا-: بكرا الجمعة؟! إحنا مش لسه مصليين الجمعة من يومين؟!! وفي نفس الوقت أجد من يقول: هو الشهر مش عاوز يخلص ليه؟! إن هذا التناقض الصارخ قد يعود إلى جملة من الأسباب الجوهرية، كما سيأتي.


أحد أسباب شعورنا ببطء الزمن هو تكرار الروتين اليومي الممل والمتكرر. فعندما نعيش في نمط ثابت من الأنشطة والأعمال؛ قد يشعر بعضنا ببطء مرور الوقت وتمدد الزمن. كما أن الانشغال الزائد بالماضي أو التفكير المستمر في المستقبل قد يؤدي أيضًا إلى شعورنا ببطء الزمن. وعندما نكون غارقين في التذكر والتأمل في الأيام التي مضت، أو القلق والتوتر من المستقبل، فإننا لا نستمتع باللحظات الحاضرة، ومن ثم نشعر أن الزمن يمر ببطء شديد.


ومن أهم الأسباب التي تحمل الكثير -بل الغالبية العظمي- على الانغماس في هذا الشعور: سطوة الترندات وتأثيرها على إدراك الوقت لدى الجمهور؛ إذ يتداول البعض منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل الكثير من الشكاوى والتذمر بسبب الشعور ببطء انقضاء الشهور وعدم انتهائها، والتسخط على الأيام، وإثارة نزعة الشعور بالملل والضجر والكآبة من الحياة.


مما لا يدركه الكثير أن الترندات، أو المنشورات المتداولة على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير بالغ على الناس ومداركهم؛ فعندما ينتشر موضوع معين بصورة موسعة، ويعكف الكثير على مناقشته ونشره بصورة مكثفة، فإنه يمكن أن يؤثر على تصورات الأفراد ومشاعرهم وسلوكهم، بل على وعيهم بالكامل.


على أن تكرار الشكاوى والتذمر بشأن طول الشهور والأيام، ونشر الكثير من المنشورات حول ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثر على الناس وينتقل إليهم بصورة سلبية. فقد يشعر البعض بالضغط النفسي أو الإحباط عندما يرون الآخرين يعبرون عن شعور مماثل لشعورهم، ويظنون ذلك الشعور أمرًا طبيعيًا، فيتمادون فيه وفي إظهاره، فيساهمون في نشر المزيد من المنشورات المماثلة لذلك، فيُصاب بهذا الشعور كل من كان معرّضًا وقابلًا له، وحتى غير القابل له، ومن ثم ينتشر هذا الشعور بين شريحة ضخمة من الجمهور، ولو تُرك الحبل على غاربه في ذلك لاستفحل هذا الشعور واستشرى في الجميع. هكذا تقول الدراسات النفسية.


لذلك ينبغي علينا أن نتوخّ الحذر، وأن نكون حريصين على عدم الاندفاع والتأثر بسهولة بالموضوعات الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نحافظ على اعتدالنا وتوازننا النفسي. كما يتأكد علينا كل التأكيد أن نكون حذرين ومتوازنين في استجاباتنا للترندات، وأن نحافظ على وعينا ونقيّم الأمور بناءً على قيمنا ومبادئنا، وقبل ذلك مبادئ ديننا.


ومن الجدير بالذكر أن هذا الأمر الذي ينتهي بالتسخط على الأيام قد يعد سبًا للوقت أو الزمن، وهذا يتعارض مع تعاليم ديننا، فقد نهى الشرع عن سب الزمن الذي هو الدهر، وذلك في أحاديث منها قول النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله عز وجل قال: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار." [رواه البخاري]. وإن اعتقد الذي يسبّ الزمان أو الدهر أن الدهر فاعلٌ مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك وهو يسبّ من فعله فهو يسبّ الله، وإن سبّ الدهر لكونه ظرفًا فقد سبّ مخلوقًا لا يستحق السبّ [نقلًا عن موقع إسلام ويب].


أتعجب من بعضنا، يتمنى سرعة انقضاء الأيام ولا يعلم أنها من عمره، ألا يدري أنه إذا ذهب يومٌ من حياته فقد ذهب بعضه، وأن ما ذهب من الزمن لن يعود؟ لذا علينا أن ندع الأيام تمضي، فلها رب يسيّرها، ولا نستنكر قصَرًا بها أو طولًا، وأن نستثمر كل لحظة من حياتنا، وعلينا أن نتعلم كيف نقدر الوقت الذي نملكه، وأن نستغله بوجه إيجابي ومفيد. فلنتجنب التشكي والتذمر من شعورنا الواهم بطول الشهور وبطء الأيام.



-

محمد فرح متولي

الأربعاء

١١ ذو القعدة ١٤٤٤ هـ

2023-05-31


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد فرح متولي

تدوينات ذات صلة