الحقيقة المرة هي أن الألعاب الإلكترونية الحديثة ليست مجرد ألعاب ترفيهية عابرة، بل هي مصممة بذكاء لتستغل نقاط الضعف النفسية، وخاصة عند الأطفال

إلى كل الآباء والأمهات، يجب أن تدركوا أن إشباع حاجات أطفالكم العاطفية لم يعد مجرد واجب فقط، بل أصبح الآن ضرورة حتمية لحمايتهم من الوقوع في فخ التطبيقات والألعاب الإلكترونية الحديثة. هذه الألعاب لا تقتصر على الترفيه فقط، بل تستغل فقدان الإشباع العاطفي لدى أطفالكم لتخاطب مشاعرهم، مما قد يجعلهم يدمنونها. الطفل الذي يفتقد الحنان والحب وأي جوانب عاطفية من قِبل والديه، هو أكثر عرضة الآن للتأثر بتلك الألعاب التي تقدم له شعورًا زائفًا بالعاطفة والاهتمام والتقدير.


تشير الأبحاث إلى أن إدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية يرتبط بغياب الدعم العاطفي الحقيقي​ لهم. فهل تساءلتم يومًا عن السبب وراء انجذاب أطفالكم الشديد للألعاب الإلكترونية وتعلقهم بها لدرجة الإدمان؟ هل فكرتم في أن هذه الألعاب تلبي حاجات نفسية عميقة لدى أطفالكم لا تجدون أنتم كآباء سبلًا لتلبيتها؟


هل تعلمون أنه خلال العامين الماضيين فقط؛ رفعت عائلات في أمريكا ما لا يقل عن اثنتي عشرة دعوى قضائية تتعلق بألعاب الفيديو ضد شركات متعددة أشهرها: Epic Games، وMicrosoft، وNintendo، وRoblox، وSony Interactive؟! حتى ذكر أحد الآباء أن ابنه كان مستهدفًا و"مُحرَّضًا" على إجراء معاملات معينة داخل الألعاب، أدت إلى إنفاق آلاف الدولارات، حسبما ذكرت إحدى الصحف.


الحقيقة المرة هي أن الألعاب الإلكترونية الحديثة ليست مجرد ألعاب ترفيهية عابرة، بل هي مصممة بذكاء لتستغل نقاط الضعف النفسية، وخاصة عند الأطفال. تلك الألعاب لا تقدم مجرد متعة مؤقتة فحسب، بل تبني علاقات عاطفية عميقة مع اللاعبين من خلال ما يلي:


- الشخصيات الافتراضية:

توفر هذه الألعاب شخصيات افتراضية داخل اللعبة تعامل الطفل (اللاعب) كأنه صديق حميم أو بطل خارق، وتتفاعل معه بعبارات محبة وداعمة، مما يُشعره بالسعادة والقبول، ويوفر له شعورًا بالانتماء والحب الذي قد يفتقده في حياته الواقعية من والديه.


- المكافآت العاطفية:

تمنح هذه الألعاب مكافآت عاطفية للاعبين مثل: الإشادة، والثناء، والتقدير، مما يشجعهم على الاستمرار في اللعب، ويعزز لديهم ثقتهم بأنفسهم التي قد يفتقدون إلى تعزيزها من أبويهم.


- التجربة المخصصة:

تجمع هذه الألعاب بيانات شخصية عن اللاعبين، وتستخدمها لتقديم تجربة لعب مخصصة لكل فرد، مما يزيد من شعور اللاعب بأن هذه اللعبة تفهمه وتقدره وتقدم له ما يناسبه حرفيًا، في حين أنه قد يفتقد إلى التقدير من والديه.


ثم تكون النتيجة الكارثية:


= الإدمان:

حيث يشعر الطفل بأن اللعبة هي المكان الوحيد الذي يحصل فيه على الحب، والثناء، والتقدير، مما يدفعه إلى اللعب لساعات طويلة، متجاهلاً واجباته ومهامه الأخرى.

= العزلة الاجتماعية:

يبدأ الطفل في الانسحاب من علاقاته الاجتماعية الحقيقية، ويقضي معظم وقته في عالم افتراضي، مما يؤثر سلبًا على مهاراته الاجتماعية والتواصلية.

= مشكلات نفسية:

قد يعاني الطفل من مشاكل نفسية، مثل: الاكتئاب، والقلق، والوحدة، وذلك بسبب نقص التفاعل الاجتماعي والعاطفي الحقيقي، والحصول على الحب والدعم من الأهل.

= مشكلات جسدية:

إذ يمكن أن يتسبب إدمان هذه الألعاب في حدوث تغيرات عقلية وجسدية. كما تشمل التغيرات الإدراكية، وعدم القدرة على التحكم في الانفعالات، وفقدان النوم، وإجهاد الظهر، وإجهاد العينين، وفقدان الوزن الشديد أو زيادته.


لماذا الإشباع العاطفي مهم للأطفال -وحتى للكبار-؟


- تعزيز الثقة بالنفس:

الأطفال الذين يتلقون حبًا وحنانًا كافيًا من آبائهم تتعزز لديهم ثقتهم بأنفسهم.

- تطوير المهارات الاجتماعية:

عندما يشعر الأطفال بأنهم محبوبون، يتعلمون كيف يتعاملون مع الآخرين بشكل أفضل.

- تقليل القلق والاكتئاب:

الأطفال الذين يفتقرون للحب والحنان يكونون أكثر عرضة للقلق والاكتئاب، مما قد يؤثر على صحتهم النفسية.


ماذا علينا أن نفعل؟


- اقضوا وقتًا جيدًا مع أطفالكم، خصصوا وقتًا يوميًا للتحدث واللعب معهم ومشاركتهم اهتماماتهم.

- ابنوا معهم علاقة ثقة واحترام، واستمعوا إليهم بانتباه واحترموا مشاعرهم وآرائهم.

- عبروا عن حبكم وتقديركم لهم، أخبروهم بذلك، امنحوهم الأحضان بانتظام.

- شجعوهم على ممارسة أنشطة أخرى، سواء أنشطة بدنية، أو هوايات أخرى، كالقراءة والرسم، وممارسة الرياضة.

- حددوا وقتًا للألعاب الإلكترونية، وفيما يتعلق باستخدام الأجهزة الإلكترونية عمومًا، وضعوا قواعد صارمة وواضحة لذلك.

- تذكروا أن الحب والحنان، وكل ما يدل على ذلك من أحضان وقبلات وعبارات، هو من أهم ما يحتاجه أطفالكم ليكبروا بصحة نفسية سليمة.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد فرح متولي

تدوينات ذات صلة