في خضم التشويش العقلي لا يزال يبحث عن شخص معين..لكن من هو ؟

كمثل سطوع النور في غيابات الظلام ، يعالج هذا النور ما يحتويه قلبي من سواد داكن ، كمثل اختلاط كمية كبيرة من اللون الابيض باللون الاسود فتبتهج المناظر بنتاج هذا اللون البرّاق ، هكذا بعثت الحياة في قلبي عندما رأيتها لأول مرة ، كالحسناء تمشي باتجاهي رويدا رويدا وبرقة خلابة تجعلني اخاف عليها من ان يؤذيها شعاع بسيط من الشمس ، او ان تصطدم قدمها الضعيفة بحجر صغير يعكر مزاجها او يؤذي اناملها الرقيقة ، جعلتني اتلهف لان اصل اليها حتى احسستها تبعد عني الاف الكيلومترات ، شعرت بالحزن والفرح ، شعرت بالسعادة الغامرة لان عيني اتيحت لها الفرصة برؤية شيء كهذا ....



لكنها ليست لي ...، ادركت هذا عندما مرت بجانبي ولم تعرفني ...واكملت طريقها كأنها لا تعرفني ، لكنني تفاجأت انا الاخر ...، ما الذي يجعلني اظن انني اعرفها؟ ، عقلي يقول انها فقط مجرد فتاة عادية مرت بجانبي ، لكن قلبي كاد ان ينفجر من المشاعر الفياضة التي خرجت فور رؤيتها ، " لقد وجدتها ..لقد وجدتها ...اخيرا يا حبيبتي لقد وجدتك"...، صوت قلبي العالي ايقظني من النوم فجأة، عندها علمت انه حلم بسيط من نسج خيالي ، وصوت طرق الحارس على قضبان الزنزانة لكي يوقظني من نومي في زنزانتي لأنه قد حان وقت الفطور ، ذهبت وتناولت دوائي الذي اعتادوا على اعطائي اياه في هذه المصحة ، يجعلك تغوص في عالم لا يحتوي شيئا الا السواد في كل بقاعه ، يعطوننا هذه الادوية كل يومين اذا كنا هادئين ، لكن اذا خرجنا عن السيطرة عندها يتم حقننا بكميات كبيرة منه ، كل ما ازدادت الجرعة زاد السواد في العالم الذي نراه بعدها ولا نرى شيئا بعدها غيره ، رجعت الى زنزانتي الصغيرة وجلست هادئا أتأمل في الحلم كانه فيلم يعرض في سينما بإدارة قلبي ، حتى اتت اللحظة التي رأيت بها هذه الحسناء الجميلة ، اردت الاستمتاع بالنظر اليها مرة اخرى لكن شيئا ما قد حدث ، احسست بالم كبير جدا ، كأن اوعيتي الدموية انكمشت وضاق صدري حتى اجهشت بالبكاء مرة أخرى مثل المرة السابقة ، صحيح ....لقد واجهت مثل هذا الموقف بالأمس ! ، وقبله وقبله ..حينما ادركت هذا أيضا صرخت وبكيت حتى اتى الحراس وامسكوا بي مثل كل مرة ...لكن ماذا افعل هنا ..لم لا اذهب لرؤيتها ...اتركوني ...وصرخت بأعلى صوتي ..اتركوني اذهب اليها ..اتركوني اذهب لملاقاتها ، قد اشتقت لوجهها المليء بالمشاعر والرقة والضعف والحنان ..اتركوني اذهب اليها ، لكنني شعرت بالشك والدوار في راسي في اللحظة التي كانت ابرة الطبيب قد زرعت داخل وريدي ، ادركت انه مر زمن على عدم ملاقاتها لكن من هي ، ادركت انني لو كنت يومها فقط...اسرع لكنت قد...ماذا؟.



استيقظت من هذا الحلم السيئ مرة أخرى، اشعر بالدوار وبثقل راسي، تأتيني هذه الكوابيس كثيرا وتتكرر كل يوم تقريبا، الشكر لطرقات الحارس على قضبان الحديد لباب الغرفة التي ايقظتني من هذا الكابوس المرعب التي كدت ان افقد عقلي من شدة تأثري بالألم في صدري، ذهبت الى قاعة مليئة بالمرضى يأكلون طعاما ما، وإذ بمريض يصرخ بصوت عال: " اين هي!.. اين هي! أعيدوني اليها أعيدوني اليها " ، لكن نحيبه قد توقف سريعا عندما امسك به الحراس وحقنوه بشيء ما ، عندها عم الهدوء مرة أخرى في القاعة ، وإذ بالحراس يأخذوننا الى الغرف الغريبة الخاصة بنا التي لديها قضبان من الحديد كبوابة للدخول والخروج ، غريبة هذه البوابة حقا ، اعلم اسم هذه الغرفة لكنني لا اتذكره بالضبط ، دائما ما يخالجني شعور سيئ تجاهها ..كأنني اكرهها جدا لكن من دون سبب يذكر من عقلي ..، وضعوني في سريري الخاص وسمعت احد الحراس يقول شيئا بصوت خافت لرفيقه : " ارجو الا يزعجنا مثل كل مرة " ، وصوت ضحكتهما جعلني اغضب قليلا لكنني لم اعرف السبب ، خلدت الى نومي وانا اشعر بوخزة في يدي جعلتني اشعر بثقل راسي وهو يتلاشى شيئا فشيئا ، بعد الوخزة احسست بسائل يجري اخل جسمي منطلقا من يدي ارغمتني على النوم، ادعو بان لا أرى مثل ذاك الكابوس مرة أخرى .


صباح يوم اخر وانا اتلهف للقاء شخص لا اعرفه ، لا اعرف وجهها ولا اعرف اسمها ، لكن عندما اتذكرها اشعر بالأمان ..اشعر بالسلام والحنان، استطيع الشعور بهما وهما يتغلغلان في قلبي كلما تذكرتها ، لكن من هي ؟ ، اكاد اجزم انني اعرفها جيدا لكنني لا استطيع تذكر أي شيء عنها ، هذا غريب غريب جدا،

لم استطع التفكير جيدا بها من بسبب طرقات الحارس على قضبان زنزانتي ، ماذا؟..زنزانة؟..اولم يكن اسمها غرفة ؟ ، غريب !..اجزم اني اعلم باسمها لكن سمعت صوتا بداخلي يقول لي انها غرفه ..، لكنني اعي كل الوعي انها زنزانة ! ، لم انا هنا أصلا ؟ ، لم هي ليست معي ؟؟ اين هي ؟ ، لحظه ! من هي أصلا ، احسست بعيناي وهما ترمقان الحارس بالنظرة المعروفة له وللأطباء بانهم في مشكله ، سارع الحارس في امساك يدي واخضعني ونادى الطبيب لكي يعطيني الدواء الذي ناخذه كلما جن عقلنا ...لكن لحظة .. لقد حصل معي نفس الموقف قبل يومين ..وقبله وقبله أيضا !! ، تذكرت ! انها الفتاة الحسناء من الحلم الذي رايته سابقا ..عزيزتي ..حبيبتي ..اعيدوني اليها أيها الاوغاد .. اعيدوني اليها ..لقد سمعت هذه الكلمات من قبل ..نعم .. في قاعة الطعام ..وفي زنزانتي عندما كنت اشاهد الحلم اما عيناي ..نعم تذكرت !! ..انها عزيزتي ..زوجتي وملاكي الحسناء ذات الشعر الكستنائي ..ذات لون العيون البني..نعم انها جنتي..اعيدوني اليها.. اتركوني اذهب لملاقاتها..اتركوني اعتقوني.. هكذا صرخت وجن جنوني لدرجة انهم لم يقدروا على اعطائي الجرعة واضطروا الى ضربي حتى افقدوني وعيي مرة....أخ ..رى.

استيقظت هذه المرة على صوت انذار مزعج ..ورايت الحراس يهربون هم والأطباء ..كانت المصحة في حالة من الجنون ..قد اتى الي احد من المرضى وكسر قفل الزنزانة ..الجميع يريد انا يهربوا من شيئ ما ..لكن لا اعلم ما هو بالتحديد..قال لي : اركض ...اركض وانجو بحياتك ..لكنني لم افهم شيئا ..لعل ذلك اثار الدواء الجانبية التي يعطوننا إياه ...ركضت وركضت وركضت حتى وجدت نفسي ضائعا في طريقي ..وانا اسمع صوت بعض السجناء يقتلون عن طريق الحراس ..قررت يومها ان ارجع لزنزانتي لسبب ما..اريد ان اعيد تكرار ذلك الحلم مرة أخرى..اريد رؤيتها ..تلك الحسناء الجميلة...بقيت أحاول التذكر لكن كان ذلك صعبا علي ..حتى عم الهدوء لكنني سمعت صوت ذوي انفجار.....ورايت شعاعا كبيرا وسط سواد غرفتي ..واذ بها الحسناء تظهر مرة أخرى !!..بكيت بكاءا شديدا عند رؤيتها امامي أخيرا ...اخيرا وجدتك يا عزيزتي !!!....اخيرا وجدتك يا حبيبتي ...ابتسمت في وجههي وانا أرى دموعها تنزل من عينيها التي جعلتها كما تخيلتها ...هذا الوجه الذي تملأه الرقة والضعف والحنان ...هكذا كانت تمام في حلمي ..انها ليست خياليا فحسب ...انها حقيقية ...مدت يدها لي ..وامسكتني ..عندها عم النور ولم استطع ان أرى شيئا ..ثم هدء المكان وهدء كل شيء من حولي ...ثم رأيت سماءا صافية ..ولون عشب الحدائق كان تحتي وانا اطير معها ..احسست بخفة وزني ..وكنت اشعر باي اشفى عقليا وجسديا ...نعم اني اتئكر كل شيئ الان





وسط هذا التفتت لي بوجهها الذي يشبه الملاك.. وقالت لي : اه يا عزيزي غيلبرت ، كنت اراقبك طول الوقت ،وحسرتي على حالتك بعد ما فقدتني ،لابد من ان فراقي كان صعبا جدا عليك ..، احبك حبا جما ، احبك احبك احبك !!!! ، ،قد اشتقت لرؤيتك كثيرا يا غيلبرت..اشتقت للمساتك ..لرؤية وجهك كل صباح ..اشتقت لكل هذا ، مازلت اذكر ذلك اليوم المشؤوم عندما صدمتني تلك السيارة...لازلت اذكر عيناك الحزينتان والخائفتان وانت تجري خلفي وانا على العربة في المشفى... كانت هذه اخر مرة انظر بها لوجهك الجميل ...لعيناك الحنونتان ..جمالهما ما زال كجمال ذلك اليوم الذي التقيتك فيه لأول مرة...وكنت لازلت ترمقني بها حتى بعدما مررت من جانبك..احسست بمشاعر حبك وهي تصل لقلبي ..احسست اني اعرفك جيدا وقتها ..وانا واثقة بانك شعرت بالمثل يا غيلبرت..اعلم انك مازلت تشعر بالذنب لانك لم تستطع انقاذي يومها، الذنب ليس ذنبك يا عزيزي..الذنب ليس ذنبك ..وعانقتني أخيرا بعد فراق طويل وقبلتني على راسي ...ثم قالت لي : انذهب الان ؟...قلت لها : نعم ..هيا بنا...يا ملاكي الجميل..يا عزيزتي....فيوليت.

كان الشرطيان المسؤولان يتحققان من الأدلة الباقية من ذلك الانفجار ..ووجدا مذكرات لسجين يدعى غيلبرت ايفرغاردين ..سجين فقد زوجته في حادث سيارة..بعدها ساءت حالته الصحية وتم نقله لمصحة عقلية ..ثم تم خطفه ليعيش حياته الباقية في المختبر السري ليتم اجراء التجارب البشرية المحرمة عليه هو وباقي السجناء...،المختبر الذي تم تفعيل تدميره ذاتيا عندما علم أصحابه باقتراب الشرطة من المكان.....وكان غيلبرت من ضحايا الانفجار ..وتم انقاذ بعض السجناء من المختبر قبل حدوث الانفجار ..ومات 13 شرطيا في هذه الحادثة.

- تقرير عميلة استهداف مختبر “uip” السري

--الحادي عشر من أيلول عام 1989 – انتهى.

قال الشرطي لرفيقه : يا لتعاسته ..فقدان زوجته قد أدى به الى الجنون تماما .. .

قال رفيقه :معك حق..يبدو انهما كانا يعشقان بعضهما البعض بجنون.........ما لنا الا ان نأمل انه لاقى زوجته بعد فراق طويل ورقدا بسلام معا.... .

__________________________النهاية______________________


Moe_Salim

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Moe_Salim

تدوينات ذات صلة