هم لا يأكلون من القمامات لأنّها مصدر قوتهم، بل لأنّه لا مصدر للقوت لهم دونها.

عندما كنت صغيرة لم أكن أحبّ القطط. لم تكن تبدو لي شيئا ألطف من مخلوقات متوحشة قد تنقضّ عليّ في أيّة لحظة بمخالبها و أنيابها. ما لم أكن أعلمه آنذاك هو أنّ تلك الصورة المخيفة لا تمثّل هذه المخلوقات إلّا و هي خائفة.

كان لا بدّ من أن تفد إلينا قطة من الشارع بلطف و براءة يعزّ العثور على مثلهما عند البشر، و بوليدها.. كي تُضاف إلى باقة الإنسانية داخلي وردة متألّقة.

أودعته إيانا وديعة، ثمّ مضت مودّعة.. و لا يخفى على أحد بأنّ الأمومة لدى القطة مسألة حياة أو موت، فهي لن تفارق صغارها إلّا لو هي فارقت الحياة.

فارقت الحياة لأنّه كان من غير الممكن أن تظلّ على قيد الحياة أطول ممّا صمدت، في ظروف كالتي تضطرّ قطط الشوارع إلى مكابدة مشاقّها..فهم في الشارع، و لعلّ في هذا الوصف الكفاف لتصوير حالهم.

إنّهم في الشارع بأجساد ضامرة شكلا و هزالا. يركضون من مكان إلى مكان مذعورين، طالبين نجدة لا تتعدّى رشفات ماء، لقمة، ظلّا لحرّ ، دفئا لقرّ.. أو مسحة عطف.

إنّهم في الشارع.. نراهم دون أن نراهم. لأنّنا لطالما توهّمنا بأنّ حياتهم لا تساوي شيئا، بأنّه لا حقّ لهم علينا و لا حقّ لهم معنا، بأنّهم لا يشعرون.

لم نرم ذاك القطّ الصغير، بل احتفظنا به. و لقد كان لدخوله حياتنا أثرا على نظرتنا لهذه الكائنات يشبه ساق المدور و هي ترسم نصف دائرة تقفز بها من 0 إلى 180 درجة.

صحيح أنّهم لا يتكلمون، لكن دعوني أصحّح معلومة يسرّني أنّ الكثيرين قد صححتها العولمة في أذهانهم في الآونة الأخيرة، فهم يشعرون.

مثلنا تماما، هم كائنات حية. يشعرون بالجوع و العطش و البرد و الخوف و الأذى، ثمّ إذا ما وجدوا نفحة من رحمة تلقاهم يلعبون و يُسرّون و يتودّدون..

عليك أن تنظر إلى قطّ بيت و هو نائم أو جالس بين أفراد عائلة ضمّته إليها كي تتوصّل إلى معرفة كنه هذه المخلوقات الجميلة، و بالمقابل عليك أن تنظر إلى قطّ شارع مروَّع كي تدرك مدى تقصيرنا في حقّ هذه المخلوقات التي على عكس الحيوانات غير الأليفة، جُعلت حياتها بعيدة عن البرية قريبة من بيوتنا.. ففي نهاية الأمر، أليس في هذا لمحة كافية؟



رحمة سعيد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

في بعض الأحيان افكر كيف نحن نشبه هذه القطط حيث الوحدة و السباق للبقاء

إقرأ المزيد من تدوينات رحمة سعيد

تدوينات ذات صلة