ثمـة كيانٌ يُدعى الرّوح، وثمَّةَ كيانات بلا أرواحٍ حَيّة، وثمّة فرق جوهري بين الكَيان الذي تحيا بِهِ روحٌ سخية،وبين ذلك الكيان الذي يقتات على نعشٌ مُتنقِل.

كتب : ملاك تيسير الحباشنة


الضوء والظَلمة كَثُنائيةََ ترفُض الانفصال !

ليسا ضدّين مُتنافرين، بل وجهان لحقيقةٍ واحدةٍ تتوارى عن الأفهامِ. هما كالنَّفَس الأوّل حين انبسط الوجود

فَخرج النور شاهداً على الإمكان، وتوارت الظلمة لتكون وعاءً عميقاََ و لا يفهم للأسرار. ومن بينهما، بين الانكشاف والاحتجاب، تماوَجت الأكوان وتكوَّنت المعاني في حضرةِ الايمان العميق .


فالنورُ ليس ضياءً حسياً فحسب؛ إنّه جرحٌ مفتوح على الغيبِ، يفضح هشاشة الكائِن حين يظن أنّه أدرك كُلّ شيء. والظلمة ليست عَدَماً، بل مخزناََ للغيب، وسرُُّ للغياب، ومحرابٌ تعتكف فيه الأرواح لتستمع إلى وشوشة الأبد القريبِ البعيد !

ففي كليهما امتحان: نورٌ يُفضح، وظلامٌ يُعرّي؛ وكلاهما يجرّ الإنسان إلى تخومه القصوى.


إنّ التناقضات ليسَت ازدواجية ، بل خيطٌ سرّي يشدّ بعضه إلى بعض. فما من معنى يتجلّى إلا إذا انبثق من رحم نقيضه: الرحمة تولد من الألم، اليقين من الشكّ، والحياة من الموت. ومن لم يتجرع مُرَّ المذاقاتِ لن يفهم لذّة النوّر، ومن لم ينحنِ تحت وطأة الغياب لن يدرك قيمة الحضور.


هكذا يتبدّى الوجود كرقصة أزلية بين قطبين: نور يضيء حدودنا، وظلمة تحتضن أعماقنا. ونحن، بينهما، كائنات من شذرات وأطياف، لا نكتمل إلا إذا قبلنا أن نكون كلاً من النور والظلمة في آنٍ واحد. فالعتمة التي نسكنها ليست خصماً يُبدد ضيائنا، بل مِهاداََ خفيّ يُهذِب نزعات العجلة فينا؛ والنور الذي نطلبه ليس غايةً أخيرة، بل عودةٌ أخرى إلى ليلٍ أعمق، حيث يبدأ السرّ من جديد.


ذلك هو الجدل السرمدي الذي صاغه الوجود: أنّ الحقيقة لا تُرى في انحيازٍ لأحد القطبين، بل في التماهي مع البرزخ الذي يجمعهما معاََ و يكون الحد الفاصِل بينهما ! فكيف للندّين ان يلتقيا دون لقاءِِ !

هناك، في المسافة القابعة بين الانطفاء و التوهُج ، ينبُت الإنسان: غريباً، ناقصاً، مُعلَّقاً , فَ تارةََ يكتمِل و تارةََ يُسحَق

بين ليلٍ أبديّ وفجرٍ لا ينطفئ.


فالكون إذاََ ليس نوراً خالصاً ولا ظلمةً مطبقة، بل نسيجٌ من التوتر الخلّاق، به تُكتب الرواياتِ الخالدة و تل العابرة، وتُبنى المعاني، ويُصاغ الإنسان من مادّة الانكسار الخلّاق والانبعاث الصامِت.

فإننا لسنا أبناء النهار وحده، ولا ورثةَ الليل وحده؛ نحن ثمرة نقطة الالتقاء الأبديّ بينهما.


و كما المُعتاد يحضُرني في هذا المشهد اقتباساََ من لحناً بديعاََ لِ ابو نورَه في رائعتهِ انتِ نسيتي يُدندِن قائِلاََ :

ياصـدا من غير صوت

مابه حياة من غير موت


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ملاك تيسير الحباشنة

تدوينات ذات صلة