“كأي صعيدي لا أستطيع قول: أحبك , وكلما قررت القفز على التقاليد لأقولها خرجت: كيف حالك؟ فاعذريني لأنني “كيف حالك جداً”

إن العادات والتقاليد التي تسود كل مجتمع وتميزه بخير أو بسوء عن غيره، هي وليدة حقول من التجارب التاريخية التي جعلت لكل دولة كيانها الخاص وقادتها الى تبني مواقفها لتحاكي الواقع عن طريق وضع سنن ترعاها الأعراف، أعراف تحكم أجيالا عديدة بنفس القيم السابقة دون مراعاة لتغير نمط الحياة، بالرغم من أن هذه الأعراف قد تكون خاطئة لتضاربها في أغلب الأحيان مع الواقع ومع الشرع نفسه الذي غالبا ما تحتمس به وتنسب له أغلب قيودها وسياجاتها.

لقد حكمت الأعراف المجتمع بالفعل بعيدا عن العقل والمنطق، تربى أجيالا كثيرة على القيم الإسلامية والأخلاق التي ميزت ديننا الحنيف وهناك قيم تبنتها العادات لا زالت تخاطب في الناس الفطرة السليمة، إلا أن الكثير منا وبتشبثه بالتقاليد وقع ضحية عقول متشددة مضللة، عقول لا تميز الحق عن الباطل، ولا تستوحي أهدافها من الدين، حتى أضحى جيل بأكمله ضحية أكذوبة تسمى التقاليد.

علينا أن نعترف جميعا بأن الدين بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

تلك العادات التي نقلت لنا أفكارا خاطئة عن القدر، جعلت منا نسب الدهر ونتسخط في المصائب، والتطير على أبسط الأشياء التي تلازمنا في حياتنا. صدقا إننا أصبحنا نعاني من متلازمة الأعراف، الخوف من المجتمع والإمتثال للعادات لدرجة التقديس، والتي جعلت من المرء ضعيف الشخصية لا يحيط علما للمنطق ولا للمعرفة، يعيقه المجتمع وتقاليده من كل جانب ، مما أطفأ شغف الفضول في عقولنا منذ أن كنا أطفالا، الخوف من المجتمع، من نظرته وردة فعله، مجتمع لا نعرف جنسه ولا كيانه، مجتمع نسمع عنه ولا يكترث لنا في حقيقة الأمر، بل تجاوز الأمر مرحلة التهويل وأصبح كل ما يجول في خاطر الإنسان من فكرة تعتبر عيبا، وتشعّب العيب فينا ونحن غير مدركين أن العيب الوحيد هو إنصياعنا للعادات واهتمامنا بها أكثر من اهتمامنا برأي الشرع وحكمه.

إنه لأمر جميل أن يحافظ الإنسان على هويته وتراثه، ولكن الأمر يتجاوز المدح عندما يصل إلى تقديس أعراف وضعها أشخاص عاديون، بل الأمر المخيف هو أن العديد من الناس يظنون أن تلك الأفكار هي أفكار دينية لحد إلزام ذويه بإتباع تلك الخطى وأصبح من يعارضها شخصا منبوذا من مجتمعه، وهذا أمر مخيف يجعل من الواجب علينا أن ندق ناقوس الخطر.

أصبح واضحا وجليا أن المجتمع الذي كرس فكرة التقاليد المزيفة جعل عند الإنسان وجهان ( وجه خفي يمارس فيه أهواءه، ووجه آخر علني يجامل فيه تقاليد مجتمعه)، ولعل ذلك رهين بخوف البعض من ضغط التقاليد حتى لو كانت مخالفة للدين مما يبرهن على أن المجتمع لم يتخلص من ضغوطها بعد ولا من تجدرها في وعي الإنسان، مجتمع أطفأ رغبة الطفل في السؤال مما جعله يبحث عن معلومات تشبع فضوله ولعلها معلومات أغلبها خاطئة، ولو أن نفس المجتمع تدخل بطريقة سليمة وأجاب عن تساؤلاته، لما بنينا مجتمعا منافقا يمارس تقديس العادات والتقاليد في النهار، ويمحقها في الليل.

صارت التقاليد أهم من الدين نفسه، بل ربط غالبية الناس أن التقاليد هيا وليدة الشرع، ولكن الحقيقة هي أن هناك تقاليد مارسها البعض قبل الإسلام، لا تزال حاضرة وبقوة في مجتمعنا العربي رغم أنها تعارض أهدافه بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لم يكن الإسلام دين التعصب، بل كان دينا يسيرا يجمع بين الناس وينشر التسامح، إلا أن تلك التقاليد التي تصرح أن ولادتها ارتبطت بالإسلام يجعلنا نتعارض مع تلك الأفكار وندرك حقا انها تعارض القيم الدينية ، فعلى سبيل المثال، مازالت التقاليد ترى العيب في الزواج من امرأة مطلقة أو أرملة، بل تحول الأمر إلى إهانتها بأنها لا ترقى لمستوى عائلة معينة، في حين ان القيم الدينية تعارض مع هذه الأفكار الرجعية وترى المرأة في مكانة أعظم بكثير، سيد الخلق تزوج ارملة، نبي العالمين أحب خديجة وتزوجها وهي اكبر منه سنا، في حين أن دستور التقاليد يرى العيب في ارتباط رجل بامرأة تكبره سنا، اهانة لرجولته وقوته.

في الكثير من الأحيان نلاحظ أنه من العيب ذكر اسم المرأة ، ويعاب كتابة إسمها حتى في دعوات الزواج، بل يصعب في غالب الأحيان تسجيل اسمها في الهاتف خوفا من أن يراه أحد، وهناك من يخجل من الرد عليها بين أصحابه ويكتفي برسمية في التعامل مع زوجته، فهل هذا من الدين؟ أشك في ذلك، كلنا نعرف أسماء زوجات رسول الله صل الله عليه وسلم، وقد كان رسول الله يتحدث عن زوجاته ويذكرهن بأسمائهن، فالنساء شقائق الرجال وقال عنهن “رفقا بالقوارير” ،وورد عن سيدنا علي شعرا خاصا لزوجته ورفيقة دربه فاطمة، ولم يكن يستحي من التعبير عن حبه لها أبدا ، وللأسف الشديد في مجتمعنا؛ التعبير عن الحب من الزوج لزوجته والإفتخار بها صعب إلى حد الخوف من ردة فعل المجتمع، ربما يقولون أنه رجل مغلوب على أمره أو عاملتله عمل ! ويدهشنا كثيرا أن نرى رجلا يقدر زوجته ويتكلم عنها بأسلوب شاعري، إلى حد مشاركاتنا لتلك اللحظات في وسائل التواصل الاجتماعي بلهفة كأننا نرى شيئا غريباً، وهوا ليس أمرا عجيبا البتة، هو رجل عادي أدرك أن شريكة حياته ورفيقة دربه أهم من عادات تفتقر للعاطفة .

يقول سيد العديسي “كأي صعيدي لا أستطيع قول: أحبك , وكلما قررت القفز على التقاليد لأقولها خرجت: كيف حالك؟ فاعذريني لأنني “كيف حالك جداً”، إن رأي العديسي رأي متجدر في عقول الرجل الشرقي بصفة عامة يخشى مخالفة أعراف قبيلته.

ولكن لطالما رأى الإسلام المرأة في مكانة مميزة، لها قيمة فاعلة في المجتمع بعيدا عن التسلط وفرض القوة عليها. أما ما خالفها، فهي مجرد عادات تمرر تحت غطاء الدين تستولي إهتمام الشخصيات الضعيفة الغير واعية التي أوصلت العادات والتقاليد إلى هذا الحد من التوغل في حياتنا اليومية وجعلها تسلخ الدين من بعض أمورنا، قائدوها هم أصحاب الفكر الظلامي من حاولوا على مدار سنوات سلخ الدين من حياتنا، ووضعوا حدودا للمعرفة عند الناس، تلك العادات التي تدمر الوعي، ليست تراثا يجب الحفاظ عليه، بل يجب محاربته والبحث عن سبيل لتوعية المجتمع بأن الأعراف لا يجب أن تنزل منزلة الشرع والأخلاق، بل يجب أن تعامل بطريقة عادية بعيدا عن التقديس والتعظيم، فليس كل عيب حرام طالما لم يمس الثوابت.

قال الدكتور / مصطفى محمود ” إذا رأيت الناس تخشى العيب أكثر من الحرام وتحترم الاصول قبل العقول وتقدس رجل الدين أكثر من الدين نفسه فأهلاً بك فى الدول العربية".

لبنى إمام

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف وعي

تدوينات ذات صلة