لا يزّال هُناك بقايا منيّ، جزء مُخبئ بعيدًا عن وطأة الأيام تحت رماد التجارب التي استهلكتني، رُكن دَفين من حقيقتي لم يَفقد براءته بَعد

منطقة شديدة الظلام كُنت لا أراها -على أيِّ حال- لا يَهُم أين موقعه الآن داخل جدران روحي؟

الأهم أنهُ ما زال يعمل ويستقبل الترددات القادمة من الخارج، ليُبث موجات من الرعشة تدّفق مشاعر في عروقي.


لطف خفي حقًا، كُنت أظن أنّي فقدّت كلّ المشاعر والأحاسيس التي أكتب عنها في رسائلي، مُجرد راوي يسّرد فصول الحكاية دوّن القدرة على العيشِ فيها.

مُنذ قليل كُنت أجلس كعادتي في أحدى الأماكن المُعتاد عليها أعمل على روايتي الجديدة، أضع الموسيقى في أذني، أخلق عالمي وأنخرط بين الحروف في محاولةٍ لاستكشاف العالم الذي أكتب عنهُ.


كان هذا قبل اللحظةِ التي ظهرنا فيهن، ثلاثِ فتيات في مُنتصف العقد الثالث من العمر، دخلنا معًا وإذّا بهّن يجلسنا على الطاولةِ المواجهة لمسارِ عيني، ففي كلِّ مرةٍ أرفع رأسي من على جهاز "اللاب توب" أبحث في فضاءِ خيالي من حاولي عن مُفردات الكلمات التي أكتب عنها في محاولةِ دمجها مع أحداث مولودي الجديد، فتقع عيني عليهن.


وفي أحدى هذهِ اللحظات التي كُنت تائه في ملكوت أفكاري المُتشتته في محاولةِ ألتقط فكرة تصلح للكتابة، كانت هي تُشعل سيجارتها، وكُنت أنا على استعداد لإشعال النار الخامدة داخلي من جديد.طال تحدقي في مواجهة عيناها وأطالت هي النظر في وجهي، ظننا منها أنّي أتطلع إليها، ليهزمها الخجل وتهرب بعيناها عن وجهي وهي تبتسم. ابتسامتها التي جاءت لتقتحم خلايا روحي وتنعشها من جديد، لتغمرني رعشة في جسدي أجبرت ساعة يدي الذكية تصدر تنبيه بأن مُعدلات نبض القلب قدّ خرجت عن المألوف،


نظرت إليها مُتعمدًا بعد أن أفقت من شرودي واستجمعت قواي وإذّا بيّ أرى في وجهها ملامح أول فتاة وقعت في حُبها عند مُراهقتي. ملامحها البسيطة الهادئة/ قصر قامتها/ ابتسامتها التي أعادة ليّ الحياة من جديد.تبادلنا الابتسامات من حين لآخر في كلِّ مرةٍ كُنت أبحث عن كلمات لروايتي، وعلى الرغم من أنّي أجيد لغة العيون كما أخبرتني أَحَدَهُنَّ ذات مرة "عيناك مرآتان لخمسين قارَّة من الوجع والانتظار"، إلّا أنّي لم أقوى يومًا على البدء في التحدث إلى فتاة لا أعرفها مُسبقًا. وكأنها تقولي ليّ بابتسامةٍ عيناها: دعى عنكّ حصون قلبك، عليك كسر حواجز روحك، وأجعلني أغمر خلايا ضلوعك. لأعرفك.


طال النظر/ ساد الصمت/ انهيت الكتابة/ جمعت متعلقاتي. ونظرت إليها بابتسامة طويلة قولت فيها: لم أتخلص بعد من حطام التجارب ولم أنفض عني رماد الأيام. ثم رحلت.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

نادرا ما اتاثر بكتاباتي او بكتابات شخص اخر ... لكن اليوم تاثرت عند قراتي لما كتبت
بالتوفيق

إقرأ المزيد من تدوينات إسلام كوجاك

تدوينات ذات صلة