"لا يتعلّق الحب بالأشياء التي تحصل عليها، بل بالأشياء التي تبذلها، وفي الحب عليك أن تبذل كل شيء".

الحب هو العملة التي تمتلك وجوهاً متعددة.. الوجوه التي تتغير تعريفاتها حسب القلب الذي يقع فيه تعويذة تلك المعاني التي عانى الكثير من كبار عقول العالم على مدار التاريخ في البحث عن شفرته، تلك الطلاسم العصية على الفهم والتفكيك.

ومن ضمن تلك الألغاز التي تتعلق بالحب هي القصص التي عاشت قديماً وتروى لنا الآن، تلك الوجوه التي كانت تختبئ في ركن بعيد عن أعين العالم، الحكايات والقصص التي تكتشف مع مرور الوقت، وكأنها زجاجة خمر كلّما مرّ عليها الوقت أصبحت أكثر سَكرة لكلّ من تذوقها، سَكرة الحب التي شرب منها كبار الفنانين والأدباء، فغزلوا منها الرسائل والمواقف والعِبَر التي نتداولها الآن، ودون إدراك منا نمشي على خُطاها.

"لا يتعلّق الحب بالأشياء التي تحصل عليها، بل بالأشياء التي تبذلها، وفي الحب عليك أن تبذل كل شيء".

ربما تلك الجملة التي قالها أحدهم كانت بمثابة الدستور الذي عاش عليه الشاعر أحمد رامي وهو يذبل في حبه لأم كلثوم، تلك القصة التي عاشت أكثر من نصف قرن بينهما، 50 عاماً كانت بمثابة النار المُشتعلة أكلت قلب رامي دون أن تخمد، المشاعر التي ظلت مُعلقة، وكانت السر وراء القصائد التي كتبها رامي، وتغنت بها أم كلثوم، تلك الكلمات التي أراد أن يبوح بها إليها لكنه كان يخشى الهجر والبعاد، ظلّ هو الكلمة وبقيت هي الصوت، وعاش الجمهور المعاني وأحب من خلالها.

137 قصيدة كتبها رامي وتغنت بها سيدة الغناء العربي، تلك القصائد التي أصبحت ميراث العشاق والأحباب، ومن أبرز تلك الأغاني: هجرتك.. يا مسهرني.. جددت حبك ليه.. غلبت أصالح.. عودت عيني.

وبالرغم من تلك المعاني والمشاعر التي عبّر عنها رامي لأم كلثوم، فإنها كانت تراه مجرد شاعر تحب كلماته، وصديقاً تلجأ إليه لا حبيباً تسكن فيه. جاء هذا على لسان أم كلثوم عندما سئلت في أحد اللقاءات الإذاعية عن رامي، فقالت: "إنه شاعري يحترق لينير طريقي"، وكأنها تؤكد دائماً أنها تحب فيه الشاعر وليس الرجل.

بعد رحيل أم كلثوم قال رامي في أحد حواراته الصحفية: "أحببت أم كلثوم حتى التقديس.. ولم أندم لعدم زواجي منها.. والآن أعاني الاكتئاب منذ أن غابت عن الدنيا.. ولم يبق عندي سوى الدموع. فقد بكيت كثيراً في طفولتي وشبابي.. والآن أبكي أكثر بعد رحيلها".

ومن أبرز الحكايات التي تداولت حول اللحظة التي انكشف فيها سّر حب رامي لأم كلثوم، تلك اللحظة الفارقة في تاريخ هذه الحكاية، القصة التي لو كان مقدراً لها الزواج، لربما كنا فقدنا نحن بعدها إرث الكلمات التي عاشت معنا إلى الآن. فقدّ أحب أحمد رامي، شاعر الشباب، كما أطلق عليه، أم كلثوم الإنسانة والفنانة، وهي أحبت رامي الشاعر ولو كان قد تزوجها لخسرت أم كلثوم الشاعر، وربما كسبته كزوج فقط.

كان أحمد رامي يجلس أمامها ذات مساء بعد ساعات مليئة ومشحونة بالمناقشات الأدبية كالعادة.. ثم فاجأته قائلة: إن البعض يتصور أنك تحبني.

فقال لها: وهذه حقيقة.. وهذا شرف لي لا أستطيع إنكاره.

وعادت أم كلثوم تقول لرامي: هل فكرت في الزواج؟

قال رامي: مشاعري دائماً وأحاسيسي المُستمرة وتصوري في أعماقي أن أطلب الزواج من ثومة.

وابتسمت أم كلثوم لحظات قصيرة قالت بعدها لرامي: ولماذا لم تطلب ذلك؟

وهنا -كما قال رامي- لم يستطع أن يتمالك مشاعره عند هذا الحد فقال لها الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.

– إنه لو حدث ذلك فربما تكسبين زوجاً يحبك إلى حد التقديس.. ولكنكِ بالتأكيد ستخسرين رامي الشاعر الذي لم يكتب كلمة حب واحدة في أشعاره إلّا من وحي حبه لكِ.

وانتهى الحديث بينهما وقد ابتسمت ابتسامة عفوية شديدة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات إسلام كوجاك

تدوينات ذات صلة