الغرب بمعاييره المزدوجة لكافة قضايا الشرق الاوسط، يظهر حقيقة نواياه الخفية.
ما يثير الاشمئزاز والاستغراب اللغة التي يتحدث بها الغرب تجاه أي موقف تجاه الكيان الإسرائيلي، وتقوم الدنيا ولا تقعد بمجرد أن يتجرأ أحد وينتقد هذا الكيان، وما رأيناه في العاصمة الهولندية لأوضح دليل على عدم موضوعية ومنطقية الغرب أمام كافة المواقف التي تدين أو تستنكر جرائم الكيان الإسرائيلي المحتل. فالشغب الذي أثاره مشجعو فريق الكيان الإسرائيلي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الغرب يقف بقضه وقضيضه مع الكيان الصهيوني، فكل مواقع التواصل الاجتماعي عجت بالفيديوهات التي تظهر الإعتداء اللفظي والبدني على بعض الهولنديين من ذوي الأصول العربية أو الإسلامية من قبل مشجعي الفريق الإسرائيلي، فله أن يتصور الإنسان العربي كم الحقد الذي يحمله الصهاينة ضد كل ما هو فلسطيني أو عربي أو حتى مسلم.
فما معنى بعد هزيمتهم المدوية أمام الفريق الهولندي، أن يقلبوا نتائج المباراة إلى شغب واعتداء على سائقين هولنديين من أصول عربية، واعتلاء المنازل وتمزيق العلم الفلسطيني، وعندما هب مؤيدو فلسطين ودافعوا عن كرامتهم، انتفض الإتحاد الأوروبي ليدينهم، وسارع نتنياهو إلى وسمهم بمعاداة السامية!
فالحقيقة واضحة كالشمس في رابعة النهار، أن مشكلة العرب مع الغرب تكمن في معاداة الغرب للمنطقة العربية، بسبب المطامع التي تطمح لتحقيقها في تلك المنطقة، ويمتد إلى العالم الإسلامي والدول التي تعارض سياسات الغرب كدول أمريكا اللاتينية ومعظم الدول الإفريقية.
فقضية فلسطين هي أساس العلاقة المضطربة والشائكة مع الغرب، فليس مفهوماً كيف تنوي أن تنظف أوروبا تاريخها الدموي مع اليهود، الذين توالت عليه عمليات القتل و الاضطهاد في عموم أوروبا، على حساب الفلسطيني والعربي، ونسيت أوروبا أفعالها الوحشية مع الأقليات العرقية والدينية، وهي تنتهج مبدأ التعامي عن حرب الابادة الحاصلة في قطاع غزة، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الأعوام ما بين (١٦١٨-١٦٤٨) اشتعلت نار الحرب الدينية والتي سميت بحرب الثلاثين عاماً، بين أتباع المذهب الكاثوليكي و أتباع المذهب البروتستاني في عموم أوروبا قضى ١٢ مليون أوروبي حتفه، والشفقة لم يكن لها أي وزن في قاموسهم، فالهدف التطهير العرقي لأي من الطرفين، لم يراع حرمة لشئ فكل شيء انتهك، الجسد المال الممتلكات، وقاسى الناس من الإعدامات الجماعية الشيء الرهيب، فقد كان يمر المرء من منطقة ما فيرى عشرات الرجال نصبت لهم المشانق على أغصان أشجار ضخمة، ناهيك عن التعذيب الوحشي الذي يفقتد لأدنى معايير الإنسانية، عدا التجويع القاسي والسرقة والاغتصاب.
وإذا ألقينا نظرة خاطفة على الحرب العالمية الأولى، قتل ما يزيد عن ١٣ مليون مدني، غير القتلى من الجنود، وإذا أردنا أن نتعرف على العدد الكلي للقتلى سواء أكانوا جنوداً أم مدنيين، حوالي ١٦ مليون قتيل قتيل و٢٠ مليون جريح. أما الحرب العالمية الثانية فبلغ عدد القتلى من المدنيين ٤٠ مليون إنسان و٢٠ مليون جندي. فهل يستطيع عقل بشري أن يتخيل تلك الأعداد المهولة من الأرواح البشرية التي أزهقت لأجل مصالح دولة هنا أو هناك، فإن كان بأسهم بينهم بتلك الصورة، فما بالنا بهجماتهم على العالم الإسلامي وقت الحروب الصليبية، فالفظائع التي ارتكبتها أوروبا في بيت المقدس فوق الخيال البشري، فقد كانت وسائل الترفيه لدى الصليبيين كما رواه العديد من المؤرخين أن يشووا أطفال المسلمين كما تشوى النعاج، ووصل بهم الانحطاط الأخلاقي أنهم كانوا يتباهون بأن ركب خيولهم تخوض في دماء الأبرياء، ويذكر المؤرخون أن في الحملة الصليبية الثالثة وعند احتلال عكا، ذبح ريتشارد قلب الأسد ٢،٧٠٠ أسير من المسلمين إلى جانب زوجاتهم وأطفالهم، وقد شهدوا بألسنتهم عن المخازي وسفك الدماء التي ارتكبوها إبان اجتياحهم مدن الشام، ففي المعرة قتلوا ظلماً وعدواناً ما يزيد على مائة ألف مسلم، وأحد كهنتهم سجل ما شاهده وأقتبس قوله :"عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرون إلى القذف من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا" تلك هي حقيقتهم و لا يستطيع المطلع على مجريات الأحداث أن يفسر الانحياز الغربي الأعمى والغير أخلاقي إلى الجانب الإسرائيلي، إلا لحقد أسود يعتمر صدورهم.
فأيدي أوروبا ملطخة بدماء المسلمين وقبلهم دماء بني جلدتهم، فكيف يمكن أن يتصور إنسان عاقل أنهم سيعاملون غيرهم بالعدالة والانصاف، وقد يقول قائل أنها فترة العصور الوسطى والتخلف والجهل كان مستشري بينهم، والأصح أنها فترة الظلام الذي اجتاح قلوبهم وعقولهم. فمن البديهي أن تكون مواقفهم تجاه ما يحصل في غزة مخزي وفاضح، العقلاء وأصحاب الضمائر الحية هم من يقفون مع الحق الفلسطيني، ويتجرعون العنت من أجل إظهار الحقيقة، إضافة إلى الجاليات العربية والإسلامية هناك، فمن السذاجة الاعتقاد أن الغرب قد تغيرت نظرته إلى العرب وفي القلب منهم قضية فلسطين، فمنطلقهم هو منطلق عقائدي ديني بحت من ناحية، وآخر برغماتي للسيطرة على مقتدرات العالم العربي والإسلامي والتحكم بها، وفي عقولهم المريضة أن العربي إنسان قاصر غير قادر على إدارة أموره، فهو بحاجة إلى الرجل الأبيض القادم من الغرب، ليعلمه أصول إدارة الدولة، وهذا كله محض كذب وافتراء، فخلف ذلك القناع الجشع والانتقام الأعمى بأيدي حلفائهم الصهاينة من كل ما هو عربي و مسلم.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات